مقدمة :
المرأة السوسية كباقي النساء المغرب، لعبت دورا بارزا داخل مجتمعها وساهمت في تنميته، رغم العراقيل التي صادفتها ووضعية التهميش التي عانت منها واستطاعت تحطيم قيود العادات والتقاليد التي حدت من حريتها، ففرضت بذلك ذاتها على مجموعة من الميادين وبرهنت على كفاءتها.
ولمعرفة تاريخ المرأة السوسية لا يمكن فهمه إلى بالرجوع إلى عدة كتابات تاريخية أرخت لها، التي احتفظت لنا بأسماء نساء كان لها حضور في عدة مجالات.
وإذا كان بحثنا قد انصب على دراسة المرأة السوسية، فذلك نابع من إيماننا أنها قامت بعدة أدوار لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، ومن هنا تأتي فكرة هذا البحث لإظهار أهميتها داخل مجتمعها السوسي، وإلقاء الضوء على بعض الجوانب من تاريخها، كما أن اختيارنا لهذا الموضوع جاء رغبة في محاولات إبراز دورها التنموي داخل مجتمعها الذي احتلت فيه ومازالت تحتل مكانة بارزة في جميع الميادين، الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية... وسنحاول قدر الإمكان دراسة بعض أدوارها في عهدين متباينين عهد الاستعمار وعهد الاستقلال.
إن المجال الذي اخترناه لهذا البحث هو سوس، الذي يمتد من الناحية الجغرافية من جنوب الأطلس الكبير ويحده من الجنوب جبال الأطلس الصغير.
وقد عالجنا هذا الموضوع في فصلين وهما مصنفين على الشكل التالي:
الفصل الأول سنتطرق إلى دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار عبر عدة محاور دورها في المقاومة- الاجتماعي- الديني- الاقتصادي- .
أما الفصل الثاني سنتحدث فيه عن دور المرأة السوسية في عهد الاستقلال عبر ثلاث مباحث: مبحث تعاوني- فني- سياسي-.
مدخل
قبل أن ندخل إلى موضوع: "المرأة السوسية ودورها في التنمية" نريد أن نتعرض لنقطة تهم هذا الموضوع، باعتباره ورقةتعريف للمنطقة وهي تحديد منطقة سوس.
لقد وصف المؤرخون في العصور الإسلامية موقع سوس ببلاد جزولة فأعطوا بذلك للرقعة الجغرافية بعدا بشريا، بمعنى أن سوس هو موطن جزولة . ولكن جل الجغرافيين والمؤرخين الذين كتبوا عن جهة سوس تقاربت كتابتهم حول تحديد المنطقة فهذا عبد الواحد المراكشي يحدد بلاد سوس بعد الحديث عن مراكش فيقول:«فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به، وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة ، إلا بليدات صغار بسوس الأقصى فمنها مدينة صغيرة تسمى تارودانت وهي حاضرة سوس وإليها يجتمع أهله، ومدينة أيضا صغيرة تدعى زجندر وهي على معدن الفضة يسكنها الذين يستخرجون ما في ذلك المعدن وفي بلاد جزولة مدينة هي حاضرتهم أيضا تسمى الكست. وفي بلاد لمطة مدينة أخرى هي أيضا لمطة فهده المدن وراء مراكش، فأما تارودانت وزنجدر فدخلتهما وعرفتها، ولم أزل أعرف السفار من التجار وغيرهم وخاصة إلى مدينة المعدن المعروفة بزجندر، وأما مدينة جزولة ومدينة لمطة فلا يسافر إليهما إلا أهلهما خاصة» .
فالمدن الصغار التي ذكرها المراكشي من تارودانت إلى لمطة هي المعروفة حتى اليوم بسوس لأنه قال" بليدات صغار بسوس الأقصى فاليعقوبي في القرن التاسع الميلادي يجعل السوس الأقصى مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة وهو يحدد سوس:"سوس مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة: مما يفيد أن هاتين المدينتين كانتا من أهم المدن السوسية.قلت: أما تامدولت فلم يبقى لها وجود اليوم وأما ماسة فما زالت تتسع. وسرعان ما يوسع اليعقوبي رؤيته فقال:«وسوس هو ما وراء جبال درن أي ما وراء الأطلس الكبير، وينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ المنطقة الصحراوية» .
وهذا يشبه نظرة البكري في القرن11م الذي يحدد سوس بما وراء درن لينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ الصحراء» . ونجد أن ابن خلدون يحدد السوس الأقصى بما وراء مراكش، وفيه تارودانت وافران(الغيران) وينتهي إلى القبلة عند مصب نهر درعة ويخترقه نهر سوس إلى البحر. وهذا التحديد هو الشائع في العهد المريني كمنطقة لجباية الضرائب حيث قسم المرينيون المغرب إلى خمسة أقاليم لجمع الضرائب. وهذا التحديد هو الذي ساد في العهد السعدي فهناك مصدران يؤكدان هذا المعنى "الأول" وصف إفريقيا حيث قال:«سأتعرض الآن لناحية سوس الواقعة وراء الأطلس إلى جهة الجنوب المقابلة لبلاد حاحة، يبتدئ غربا من المحيط، وينتهي جنوبا في رمال الصحراء، وشمالا في الأطلس، وشرقا عند منابع نهر سوس الذي سميت به هذه الناحية». أما المصدر الثاني: سجل جمع الضرائب لأحمد المنصور الذهبي المعروف بـ"ديوان قبائل سوس"، وفيه أسماء قبائل سوس المعروفة لهذا العهد. اسم "سوس" ظل يطلق على المنطقة التي حددتها هذه المصادر التي أوردناها منذ بداية العهد العلوي حتى الآن، وهو ما خلف الأطلس الكبير جنوبا إلى الصحراء ومن المحيط الأطلسي إلى وادي درعة شرقا.
وفي سوس العالمة لصاحبه محمد المختار السوسي يعرف سوس:«نعني بسوس في كل أعمالنا التاريخية في هذا الكتاب وغيره ما يقع من سفوح درن الجنوبية إلى حدود الصحراء من وادي نول وقبائله من تكنة والركائبات وما إليهما إلى حدود طاطة وسكتانة».
ونتساءل هل لفظة "سوس" و"جزولة" و"المصامدة" يقصد بها المنطقة نفسها؟ فنجد المختار السوسي يأخذ بهذا التحديد وسماه "بلاد جزولة" وسمى كتابه "خلال جزولة" فجاءت جزولة في كتابه مطابقة لحدود "سوس".
وعندما نبحث عن حدود هذا الموطن في التاريخ القديم، فنجد المؤرخين الرومان الذين تحدثوا عن القبائل الأمازيغية القديمة، يذكرون أن موقع جيتولة: (جزولة) يمتد في شمال إفريقيا من المحيط الأطلسي إلى أواسط الجزائر الحالية، منحصرا بين المواقع التي يحتلها الرومان شمالا إلى أقاليم إثيوبيا جنوبا.
أما عند الأوروبيين فإن منطقة سوس تعتبر أرضا غامضة. ولا يكاد يعرف عنها سوى مدنها الساحلية ولا تحتوي الخرائط التي وضعها الأوروبيين حتى بداية القرن 19 إلا على خطوط تشير إلى بعض الطرق والمسالك وقد استمر هذا الغموض إلى بداية الحماية. وما يمكن استنتاجه من هذه التحديدات المختلفة أن اسم سوس استعمل في أول الأمر للدلالة على رقعة جغرافية واسعة تمتد من تلمسان إلى المحيط الأطلانتكي ثم أصبح مجال هذه الرقعة يتقلص شيئا فشيئا فانقسم إلى قسمين أدنى وأقصى، ثم اختفت تدريجيا عبارة أدنى وأقصى، وبقي سوس دالا على الرقعة التي يطل عليها القادم من الشمال عندما ينحدر من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير. والذي يمكن أن نستخلصه أن منطقة سوس يكتنفه الغموض، لأن الدول المتعاقبة على الحكم تغير استراتيجيتها التي تخضع دائما للتقسيمات الإدارية والعسكرية والاقتصادية من حين لآخر حسب الظروف والأحوال.
جغرافيا:
يقع سوس جنوب الأطلس الكبير، ويحده من الجنوب جبال الأطلس الصغير، تضاريسيا عبارة عن سهل أو حوض رسوبي يرجع إلى توضعات الزمن الثالث والرابع، كما تتخلله بعض الطبقات القديمة جدا التي تم تأريخها إلى ما قبل الكمبري خاصة الأدودني. وسهل سوس سهل متهذل، تعرض للتهذل مرات متعددة خاصة خلال الدورة الكلدونية الهرسينية وخلال الدورة الإنتهاضية الألبية على اعتباره منطقة اتصال بين الأطلسين الكبير والصغير.
ويحد سهل سوس من الشمال جبال الأطلس الكبير، وجنوبا يحده الأطلس الصغير بجباله الغابرة في القدم ويطل على الواجهة الأطلسية بسهل منفتح.
كما يعرف سهل سوس تدرجا في الإرتفاع من الشرق نحو المحيط، كما يعبر السهل محور مائي مهم استمد اسمه من المنطقة وهو واد سوس الذي يستمد مياهه من السفوح الجنوبية والشمالية للأطلسين الكبير والصغير وحسب مارمول كربخال في كتابه إفريقيا: «واد سوس اتخذ إقليم سوس اسمه من نهر وهو أكبر أنهار بلاد البربر في جهة الغرب، ويدعي بعضهم أنه هو الجزيرة التي كان بها قصر آنطي وحدائق الهسبيرند، ويبدو مع ذلك أنه هو أونة بطليموس التي يجعلها في الدرجة الثامنة طولا، والثامنة والعشرين وثلاثين دقيقة عرضا، يخرج هذا النهر من الأطلس الكبير، بين هذا الإقليم وإقليم حاحا، ثم يخترق سهول سوس متجها نحو الجنوب إلى أن يصب في المحيط قرب كرسطن، ويسقي أكثر البلاد خصبا وسكانا في تلك المنطقة، ويتخذ منه السكان جداول يسقون بها حقول قصب السكر، ويفيض في الشتاء حتى لا يعبر من أي مكان، إلا أنه في الصيف يمكن عبوره من كل جهة» .
كما عرف سوس بتشكيلة نباتية قل وجودها في المغرب وهي تشكيلة أركان والتي تمتد على مساحة كبيرة في المنطقة، ووردت في كتابات الرحالة،ولكنها أصبحت اليوم تتعرض للإجتثات بفعل التدخل البشري.
وصنف مناخ سهل سوس ضمن المناخ المتوسطي حيث يعرف تساقطات مهمة وحرارة معتدلة، نظرا لانفتاحه على البحر حيث يتلقى المؤثرات المحيطية الرطبة، كما أن سلسلة الأطلس الصغير تحول دون وصول المؤثرات الصحراوية الحارة والجافة، مما جعله إقليما غنيا من حيث الموارد المائية، حيث تعتبر فرشة سوس من أهم خزان مائي بالمغرب،لكن بفعل الاستغلال المفرط لها، أصبحت اليوم تعرف تراجعا مستمرا مما يحتم التعجيل بالحفاظ عليها.
اقتصاديا:
عرفت المنطقة بمؤهلاتها الفلاحية مما جعلها قطبا فلاحيا مهما على الصعيد الوطني من حيث إنتاج البواكر، والفواكه، نظرا للتربة الغرينية الخصبة وللموارد المائية الكثيرة، هذا والمنطقة عرفت تاريخيا بإنتاج السكر، وخير دليل على ذلك وجود بقايا منابع السكر بمنطقة تازمورت، كما أن انفتاح على المحيط جعل السواحل تعرف نشاطا بحريا، ارتبط بالصيد وبالتجارة الخارجية.
كما تجلى البعد البشري في أقدمية الاستقرار السكاني بالمنطقة، يعتبر الأمازيغ سكان المنطقة الأوائل،«ويعتبر سكان سوس ضمن الشعوب التي كانت تقطن شمال إفريقيا مند القديم» .
«والمؤكد تاريخيا أن غالبية سكان سوس من المصامدة وفيهم أقلية زناتية وصنهاجية، وقد خالط هؤلاء كثير من العناصر النازحة وبالخصوص الأفارقة والعرب واليهود والاندلسيون، وقد اندمجت كل هذه العناصر ضمن القبائل المستقرة في سوس في نهاية القرن التاسع عشر.» .
«فالزنوج الأفارقة تواردوا على سوس من السودان" إفريقيا الغربية" عبر حركات كان أغلبها عن طريق الاتجار وقد كان بيع العبيد مألوفا في مواسم سوس وأسواقها ولا تزال شجرة الأركان التي يباع تحتها العبيد بموسم الصالح سيدي احمد أموسى بتازروالت، معروفة حتى اليوم باسم "تركانت إسمكان، أي هرجانة العبيد».
«أما اليهود وهي أقدم جالية استقرت بالمغرب كان استقرارها بسوس بعد مغادرتهم لفلسطين في عهد نوبوخد نامر، وقد انضاف إلى هؤلاء بعض اليهود الذين طردتهم البلاد الأوربية في مختلف العهود ونذكر بالخصوص الواردين من اسبانيا سنة 1492 ومن البرتغال 1496.» .
«أما العنصر الأندلسي، فلا يمكن تتبعه إلا في الحواضر وبعض القرى مثل مدينة تارودانت التي لا تزال بعض أحيائها تحمل أسماء أندلسية مثل درب الأندلسيين"إيندلاس" ودرب"أولاد بونونة " كما عرفت بها بعض الأسر مثل أسر"أيت الناصر" التي ترتفع بنسبها إلى السراج وزراء غرناطة» .
وهذا الاحتكاك ساهم في تنويع التشكيلة الثقافية للمجتمع السوسي وقد حقق العناصر المتساكنة في هذه المنطقة اندماجا قويا يتجلى فيما يربط بينها من علاقات وثيقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
المرأة الأمازيغية:
شهدت جميع الحضارات التي عرفت ازدهارا اجتماعيا وثقافيا، حضور المرأة الوازن داخل الأسرة، والقبيلة والمجتمع ومن بينها الحضارة الأمازيغية، حيث مند الأزل والمرأة الأمازيغية تحاول إثبات ذاتها في مختلف الميادين، فقد احتلت مكانة في مجتمعها عبر العصور التاريخية وتبوأت مراكز السلطة والقرار، حيث عرفت المرأة الأمازيغية عبر تاريخ شمال إفريقيا شموخا يليق بمكانتها وسجلت اسمها في سجل التاريخ، وتركت بصماتها فيه.
فالأسرة الأمازيغية هي أسرة أميسية فكلمة"تمغارت" تعني الزعيمة ومذكرها "أمغار" الذي يعنى الزعيم وإلى المرأة ينتسب الأبناء فكلمة"كما" بمعنى الأخ تعنى ينتسب إلى أمي ونفس الشيء بالنسبة لكلمة"أولت ما"-"آيت ما" .
والملاحظ أن المجتمع الوحيد الذي يحمل أبناؤه أسماء أمهاتهم هو المجتمع الأمازيغي، وقد أقر جل الأثنولوجيين على أميسية المجتمع الأمازيغي ويستندون إلى ذلك إلى كون أغلب الآلهة والمعبودات الأمازيغية تحمل أسماء مؤنثة كالآلهة الشهيرة Tannit. وهنا تبرز لنا المكانة التي تقلدتها المرأة الأمازيغية في مجتمعها وقد شغلت منصب Tagellit أي الملكة، وكانت فاعلة سياسية بل شغلت منصب القائدة عسكرية وأثبتت حنكتها ومهارتها في التخطيط العسكري، وألحقت هزائم بأعداء البلاد الأمازيغية، ولنا في التاريخ الأمازيغي نماذج عديدة وسنسوقها أمثلث احتفظت بها المصادر التاريخية للمرأة الأمازيغية المثابرة.
ففي العصر القديم:
شهد هذا العصر بسالة ملكة أمازيغية البطلة دهيا الأوراسية الملقبة بالمصادر العربية بالكاهنة الأوراسية وهي:«أول امرأة سياسية حكمة المغرب قبل الفتح الإسلامي، وكانت هي الملكة الداهية الملقبة بالكاهنة،فقد قاومت الفاتح العربي حسان بن نعمان وانتصرت عليه، وبقيت تحكم المغرب مدة عشر سنوات حتى هاجمها حسان مرة ثانية سنة 82هـ وقضي عليها بجبال الأوراس في موضع يعرف ببئر الكاهنة» . «وقتلت قرب بئر تسمى منذ ذلك بئر الكاهنة وحمل رأسها مشهرا إلى الخليفة. وبموتها انتهت فترة الدفاع البطولي» .ولقد عرفت بشدة بأسها وقوتها وعرفت في حربها مع العرب بسياسة الأرض المحروقة ولقد أعجب الكتاب الغربيون ببطولاتها فكتبوا عنها روايات تخلد شجاعتها وبسالتها، وأصدرت Magli biosnard سنة 1925. رواية عنها بعنوان le roman de la kahena, d’après las anciens textes arabes وأصدر paul serge kakon رواية بعنوان: kahena la magnifique وجعل بطلتها الكاهنة البطلة البربرية،وهذا ما يؤكد لنا أن الملكة الداهية تركت بصماتها الراسخة في القوة والشجاعة، والتاريخ يشهد لها بذلك.
أما في العصر الوسيط:
عرف العصر الوسيط بروز كنزة الأوربية وهي«زوجة ادريس الأول، لعبت دورا هاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية» خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول«وأظهرت تفوقا كبيرا في حسن الإعداد لولدها إدريس الثاني ليتحمل عبء الدولة الإسلامية الأولى في المغرب» بل سيمتد نصحها وحكمتها إلى التدخل في الحالات الحرجة.
وقد عرف هذا العصر كذلك الأميرة زينب تانفزاويت الهوارية، أي من قبيلة هوارة الأمازيغية وكانت«أرملة أمير أغمات، وزوجة الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني». وقد لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السياسية للدولة المرابطية وكان لها تأثير في توجيه تلك الأحداث، فقد كانت صاحبة نقل الإمارة والسلطة من أبي بكر ولقد تزوجت أربعة ملوك أمازيغيين وكان آخرهم يوسف بن تاشفين ولعبت دورا هاما في حياة زوجها الأمير الذي من أجلها بنى حاضرة مراكش. وكتب عنها الناصري في الاستقصاء:«وكان للقوط هذا امرأة اسمها زينب بن إسحاق النفزاوية، قال ابن خلدون: وكانت من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن عبد الرحمن بن شيخ وريكة، فلما قتل المرابطون لقوط بن يوسف المغراوي خلفه أبو بكر بن عمر على امرأته زينب بنت إسحاق المذكورة إلى أن كان أمرها ما نذكره»
وفي المرجع نفسه يقول الناصري:«كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحاق النفزاوية، وكانت بارعة الجمال والحسن كما قلنا وكانت مع ذلك حازمة لبيبة، ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باحتلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها. وكان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها، ويقيم رسم الجهاد بها. ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها "يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها وأني مطلقك فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب" فطلقها» .
وبهذا تكون هذه المرأة ذات رأي في السياسة وصاحبة النهي والأمر.-البطلة فانو بنت الوزير عمر بن بانتان المرابطية الصنهاجية من قبيلة لمتونة:«قامت بدور هام في الدفاع عن اللمتونيين وحالت دون استسلام الأمير إسحاق بن علي المرابطي للموحدين حتى لا يدخلوا مدينة مراكش» وهي المرأة المحاربة إلى آخر رمق ضد الموحدين لكنها غلبت على أمرها ودخل الموحدون إلى مراكش واقتحم قصرها بعد مقتلها سنة 545هـ.
الأديبة زينب ابنة الخليفة يوسف بن عبد المومن بن علي الموحدي«عالمة بعلم الكلام، وأصول الدين، صائبة الرأي، فاضلة الصفات». وقد أحب أن يصورها الشاعر الأديب علي الصقلي في مسرحية الشعرية"الأميرة زينب" بصورة المرأة الموحدية النموذج فكرا وسيرة ومذهبا ونزوعا.
تميمة بنت يوسف بن تاشفين «وأخت الملك علي المكناة بأم طلحة من الأديبات المشهورات بالأدب والكرم والرقة»
في العصر الحديث:
ظهرت السيدة الحرة حاكمة تطوان،«زوج أبي الحسن المنظري حاكم تطوان، وقيل أنها تزوجت زواجا سياسيا السلطان أحمد الوطاسي ثالث ملوك الوطاسيين، وقائدة الجهاد كأبرز شخصية في أسرة بني راشد شمال المغرب في القرن السادس عشر الميلادي، وقد اعتنى بها المؤرخين وبأيام حكمها لتطوان ونواحيها ثلاثون سنة، ووصفوها بأنها كانت امرأة شديدة الاندفاع، ميالة إلى الحروب» وهذه السيدة هي عائشة بنت الأمير علي بن راشد الحسني.
السيدة يطو زوجة الشيخ رحو بن شحموط، وقد عرف اسمها في المصادر البرتغالية لكونها السبب في مقتل الضابط البرتغالي المتجبر نونوفر نانديش الذي اتصف بكثرة غاراته على دواوير قبيلة دكالة وفي إحدى غاراته على دوار من أولاد عمران تمكن من الظفر بغنائم كثيرة وأسرى من بينهم يطو زوجة الشيخ. ولما عاد الشيخ وجد البرتغاليين المغيرين فبادر إلى مطاردتهم ونصب لهم كمينا فتمكن من قتل قائد الحملة وفتك بأغلب القوات البرتغالية فرجع الشيخ منتصرا مستردا زوجته والغنيمة كلها .
-السيدة للا خناثة بنت بكار زوج المولى إسماعيل،«كانت مستشارة لزوجها أزيد من ربع قرن وكانت أيضا فقيهة وعالمة وأديبة كتبت على هامش الإصابة لابن حجر، وأشرفت على تربية حفيدها سيدي محمد بن عبد الله، وكانت لها مراسلات مع ملوك فرنسا وهولندا إسبانيا، وقد عثر الأستاذ عبد الهادي التازي على أزيد من عشرين مراسلة، وقد كتب عنها في كتابه "جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي» .
-وقد لعبت للا الضاوية زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله:«ذات الأصل التركي دورا كبيرا في ربط علاقات المغرب مع بعض الدول الأوروبية» خاصة أن عهد هذا السلطان عرف انفتاحا كبيرا على الغرب، وكانت الصويرة مركزا لتلاقح الثقافات ولتعايش والأديان والأعراف. وكتب عنها المؤرخ Euloge Biossonade في مجلته Historia الفرنسية.
السيدة رحمة بنت الإمام محمد بن سعيد المرغيتي الأخصاصي السوسي دفين مراكش وقد كانت فقيهة وعالمة ألفت مختصرا فقهيا»
السيدة للا تعزى تاسملالت الصوفية الصالحة العابدة ذات الشهرة الفائقة وتوصف بربيعة زمانها لها مشهد يقام عليه موسم نسائي..
الفترة المعاصرة:
ظهرت في نهاية القرن العشرين نساء أمازيغيات على مستوى الأحداث وخاصة أولئك المقاومات للقوات الاستعمارية، واللواتي تصدين لها بكل بسالة وشجاعة ومن أمثلثهن:
-يطو زوجة موحى أوحمو الزياني. فقد غيرت هذه السيدة زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل هزم الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة الهري.
عدجو موح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالة في معركة بوكافر بجبال صاغرو. فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت. وبهذا نستنتج أن المجتمع الأمازيغي قديما نصف المرأة، وجعلها تحتل مكانة رفيعة داخل النظام الاجتماعي القبلي.
المرأة المغربية:
شهد لنا التاريخ أن المرأة من اضطهاد المجتمع لها وقيوده القاسية قبل وبعد الحماية، فكانت سجينة المنزل وسلطة الرجل، وكان يمنع ويحرم عليها مغادرة المنزل لأنه يعتبر من الممنوعات، وكانت محرومة من أبسط حقوقها في اتخاذ القرارات في أمور تخصها كالزواج، فكانت تتزوج الشخص دون معرفته لتنصاع في الأخير إلى أوامره، لتخرج من سلطة الأب إلى سلطة الزوج، وظلت وضعية المرأة المغربية هكذا حتى جاء أول محرر للمرأة محمد الخامس تلك الشخصية التي يرجع لها الفضل في تشجيع المرأة المغربية على الخوض في مجال الكفاح الوطني، وبالفعل برهنت فيه المرأة عن شجاعتها وبسالتها، فقد أشادت صاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة في خطابها الذي ألقته في حفل تدشين مدرسة "الفتاة بالدار البيضاء سنة 1956 منوهة بدور المرأة المغربية في حركة المقاومة قائلة:«لقد سجلت المرأة المغربية خلال محنتنا أعمال بطولية كفيلة بأن تجعلها في صف ما سطره التاريخ» من جلائل الأعمال لأسلافنا وما سيحتفظ به الأجيال المقبلة كأجمل الملاحم. فالمرأة المغربية لعبت دورا بارزا في نقل الأسلحة والعتاد والمنشورات بين المقاومين والخلايا السرية للقيام بواجبها نحو وطنها وذلك لكون المرأة آنذاك كانت غير مشتبه بها بحيث أنها كانت لا تتعرض للتفتيش من طرف السلطة الفرنسية.
وكان محمد الخامس أول داعية إلى تعليم المرأة المغربية من أجل تثقيفها وتنوير عقولهن«هناك أمر آخر نهتم به كل الاهتمام، وهو تعليم بناتنا وتثقيفهن ليشأن على سنن الهدى، ويهذبن بما ينبغي حتى يتصفن بما يتعين أن تتصف به المرأة المسلمة حتى تكون على بينة من الواجب عليها لله ولزوجها وبنيها وبيتها» .
وهذا مقتطف من خطاب محمد الخامس رحمه الله يوما في جماعة من علماء وطلبة القرويين، فقد كان محمد الخامس طيب الله ثراه في كل مناسبة يدعو بضرورة دخول الفتاة المغربية معركة الحصول على العلم، ومعركة البناء، ومشجعا الآباء على توجيه فتياتهم للمدارس، والمعاهد من أجل تثقيفهن، وتنوير عقولهن، واصفا إياهن بنصف الأمة، وكان رحمه الله يضرب المثل ببناته، حيث كان يصطحبهن إلى المدرسة المولوية، ويتابع بنفسه تطور دراستهن وتعليمهن، وكانت مبادرة جلالته مبادرة رائدة اهتزت لها جنبات المغرب، كما خص جلالته الوفود التي جاءت لتهنئته بعيد الفطر سنة 1326هـ 1943م على توجيه فتياتهم للمدارس من أجل التثقيف في حدود الشريعة السمحة، وقد همس بعضهم:«أفعى ونسقيها سما» فكانت إجابة جلالته رحمه الله عليه:«إن البنت ليس أفعى، وأنتم ونحن وهم لا نقبل أن نكون أبناء أفاعي، من البنات أمهاتنا، وأخواتنا، وبناتنا، وعلى فرض أن الفتاة كذلك، فاعلم لم يكن أبدا سما بل هو دواء يحفظ من السموم».
وكان محمد الخامس يشرف بنفسه على تأسيس المدارس الحرة، وفتح أبوابها أمام أبناء الشعب وبناته، حيث دشن مدرسة«الأميرة لالة عائشة» بتواركة في نونبر 1947م، وقد قام أثناء زيارته لمدينة فاس سنة 1949م بتدشين معهد للفتيات لنيل شهادة القرويين العليا وهو الأول من نوعه في تاريخ المغرب.
وعن حركة تعليم الفتاة المغربية في عهد محمد الخامس إبان عهد الحماية يقول الأستاذ عبد الهادي بوطالب في مذكراته، بأن المرحوم محمد بن عبد الله أنشأ بمدرسة العدوة شعبة للبنات في الثلاثينيات في الوقت الذي لم تكن فيه تربية البنات موضع اهتمام، ولكن سلطة الحماية أغلقتها، وأقامت على فتح مدرسة للبنات عوضا عنها لتضمن مراقبتها لها.وكان من نتائج فتح باب التعليم في وجه المرأة المغربية سواء في إطار التعليم الرسمي أو التعليم الحر سنة 1942 انطلاقة التنظيمات النسائية في وسط الحركة الوطنية، فقد كان خطاب الأميرة للا عائشة بمدينة طنجة سنة 1947 منطلقا للحركة النسوية التي بوأت المرأة المغربية مكانتها اللائقة بها، كما قامت سموها بتدشين مدرسة تحمل اسمها في مارس سنة 1947م.
ولقد صرح جلالة المغفور له محمد الخامس في خطاب العرش لسنة 1952 قائلا:«وقد وجهنا عناية خاصة لتعليم المرأة حيث كانت سجينة تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقد نما بفضل الله غرس هذا التعليم، وستصبح المرأة المغربية بحول الله على بينة من أمرها، عالمة بحقوقها وما يجب عليها نحو دينها وبيتها وبلادها». .
وتابع جلالة الحسن الثاني ما بدأه والده في ميدان رقي المرأة المغربية وجعلها تتساوى مع الرجل في كل الواجبات والحقوق، وسمح لها باقتحام مجالات كان الرجل وحده ينفرد بها.
وقال جلالة الملك الحسن الثاني في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاة جلالة الملك المقدس محرر المرأة المغربية محمد الخامس رحمه الله:«ولقد آمنت يا أبتاه بأنه لا يمكن أن يصلح آخر هاته الأمة إلا بما صلح به أولها. فأخرجت المرأة من عهد الجهل حليا يشترى بل أصبحت تفاخر بالشهادات والتسابق إلى المعاهد والكليات، وتقوم بجانب الرجل بجمع المهام بالداخل. وتوج عصرك الزاهر بأن أحرزت المرأة على أعظم ما وصلت إليه في بلد متمدن، ألا وهو المشاركة في الانتخابات والظفر بحق التصويت ... لقد دعوت لتعليم الفتاة وكنت أول البادئين وناديت بتحريرها وكنت أول المحررين».
وبهذا فمنذ عهد الاستعمار والمغفور له محمد الخامس يدعو إلى تعلم المرأة باعتبارها أساس لتوعيتها ولخروجها من دائرة التهميش الذي عانت منه قبل وبعد الاستعمار، فتابع ابنه الحسن الثاني مسيرته وذلك وعيا وإيمانا منه بضرورة إدماج المرأة المغربية في التنمية والدفع بها إلى تحمل مسؤوليتها الاجتماعية والتربوية داخل الأسرة المغربية ومسؤولياتها التسييرية في المرافق الإدارية والتجارية، وفي خطاب له قال:«...لم نكن نريد أن يقال أن المرأة المغربية كانت حية من سنة 1945 إلى 1955 ثم بعد ذلك نامت وانقرض ظلها وتقلص عملها وأثرها في المجتمع...»
وهذا مقتطف من خطاب ألقاه بمناسبة إنشاء الإتحاد النسائي المغربي سنة 1969.
وبذلك تتجلى لنا رعاية العرش المغربي بالمرأة المغربية وعنايته بتعليمها وتثقيفها وخطت بذلك المرأة المغربية خطوة كبيرة في مسارها التاريخي، حيث تحررت وحطمت البنية الذهنية التقليدية التي كانت تسود آنذاك، فنجدها بعدما كانت مجبرة على البقاء سجينة المنزل، برهنت عن كفاءتها وتفوقها في مجالات كان الرجل ينفرد بها، فلقد انخرطت في الحركة الوطنية والعمل السياسي، ولعل أحسن مثال على ذلك من النساء اللاتي كان لهن وزن سياسي على الساحة المغربية، من بداية الحرب العالمية الثانية 1934 إلى أن حصل المغرب على استقلاله، نجد السيدة مليكة الفاسي التي ابتدأت مشوارها السياسي بنشر مقالات وأبحاث باسم الفتاة المغربية، ثم انضمت إلى كتلة العمل الوطني حيث عملت بالخلايا السرية له، واهتمت بتوعية العنصر النسوي، وخلال سنة 1944 كانت من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال بصفتها عضو في الحزب الوطني، والتي قدمت للسلطات الفرنسية، وبذلك تكون أول امرأة مغربية الموقعة على هذه الوثيقة. وكذلك انتظمت الفتيات والنساء المغربيات في فجر الاستقلال داخل جمعيات تابعة لتنظيمات سياسية، وجاءت سنة 1960 تمنحها حق المشاركة في الانتخابات الذي ساهم كعامل أساسي في وعي المرأة المغربية سياسيا، وقد«فازت 20 مرشحة تقريبا في انتخابات 1976 من بين 76 مرشحة للمجالس المحلية» وبهذا انخرطت المرأة في العمل الحزبي، وظهرت عدة حركات نسوية، واستمر هذا التفوق إلى عصرنا هذا، حيث تقلدت عدة مناصب عليا في البرلمان والوزارة وتحملت مسؤولياتها بكل استحقاق وجدارة، مبرهنة عن كفاءتها السياسية. ولم يقتصر دور المرأة المغربية في الميدان بل شمل عدة مجالات برهنت على وعيها ونضجها فيها.
ففي ميدان البحث الاجتماعي والتربوي، برزت الباحثة الاجتماعية فاطمة المرنيسي في الميدان البحث والتأليف في مختلف المواضيع الثقافية والاجتماعية والتربوية، ولها عدة أبحاث تهتم بالنساء في المغرب، بالإضافة إلى ميدان البحث والتأليف تعمل فاطمة المرنيسي كمستشارة لمنظمة اليونسكو والمنظمة الدولية للشغل، وقد عينت في يوليوز 1989 عضوة مجلس جامعة الأمم المتحدة، التي أحدثت سنة 1969.
في ميدان القانون تمكنت من ممارسته بكل كفاءة، وتعد خديجة الكتاني وبديعة ونيش من أولى القاضيات، والأستاذات عائشة بنت مسعود ولطيفة المنتوني وفتيحة أبو زيد ولطيفة المعروفي من أولى المحاميات في فجر عهد الاستقلال، وقد برزت القاضية السعدية بلمير الحاصلة على دكتوراة الدولة في القانون العام من جامعة باريس الثانية سنة 1987.وفي خطاب جلالة الملك الحسن الثاني عندما استقبل فوج القضاة من المتخرجين من المعهد الوطني للدراسات القضائية يوم 26 نونبر 1985،قال جلالته مخاطبا أعضاء الفوج رجالا ونساء:«وكم يسرني أن أرى بينكم المرأة المغربية التي أراها في جميع الميادين تقفزالقفزة اللازمة، وتثب الوثبة الواجبة حتى تكون تلك الزوج وتلك الكفيئة للرجل في القيام بما عليهم أن يقوموا به من واجبات... ومن هنا تعلمون المرتبة التي أضع فيها المرأة المغربية والمطامح التي أنيطها بها الآمال التي أعلقها عليها...» .
وقد دخلت المرأة المغربية مجال المنافسة مع الرجل في ميادين كانت مقتصرة على الرجال، بحيث تعتبر أمينة الصنهاجي سندور أول امرأة مغربية دخلت إدارة الفضاء بأمريكا بla nasa، غادرت المغرب إلى أمريكا سنة 1951. بعد تفوقها في علم الرياضيات، وبعد إلمامها بعدة لغات دولية، أصبحت مترجمة رسمية بلانازا، وأحرزت سنة 1992 على ميدالية الامتياز.
وتدخل شامة الأحمر، بدورها في عالم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية،حيث أتمت تداريبها في "مخيم الفضاء" وأكاديميته بمركز "الباسا الفضاء" في مارس من سنة 1988 مما سيؤهلها لمتابعة دراستها العليا كي تتخرج مهندسة في علم الفيزياء والعلوم النووية.
أما في ميدان الطيران وتتخرجتا بتفوق من مدرسة الطيران المغربية سنة 1985، وتخصصتا في قيادة طائرة البوينك كل من بشرى البرنومي وأمينة السائح، ومن المعلوم أن أول طيارة مغربية كانت هي المرحومة ثريا الشاوي التي حصلت على شهادة الطيران سنة 1951.
ومن خلال هذا العرض الموجز لأسماء نساء مغربيات حافظ التاريخ المغربي على انجازاتهم، واعتبرهن القدوة المثلى التي يجب الاقتداء بها، لأنهن استطعن تحطيم القيود التي مورست عليهن، وساهمن بذلك في صنع القرارات وبهذا فالمرأة المغربية مند انبثاق فجر الاستقلال والحرية، برهنت على وعيها ونضجها، وتمكنت من فرض وجودها في ميادين شتى ساعية للحصول على كافة حقوقها وعلى مساواتها مع الرجل عاملة جاهدة بإزائه لبناء وطنها وتنمية جميع الميادين الحيوية.
المرأة السوسية:
لقد سجلت المرأة الأمازيغية في مجتمعات بلاد الأمازيغ حضورا بارزا، إذ طغت نساء أمازيغيات على المسرح السياسي منذ العهد القديم، وشغلن أرقى المناصب السياسية بل ومنهن من اعتلت عرش المملكة، ناهيك عن الدور العسكري والاجتماعي الذي مافتئت المرأة الأمازيغية تضطلع به.
ترى هل مازالت نفس المكانة التي احتلتها المرأة الأمازيغية تحتلها نظيرتها السوسية؟ مع بزوغ الإسلام تغيرت ملامح المجتمع الأمازيغ، وقد شملت هذه التغييرات المرأة السوسية، فوضع الإسلام حدودا لحريتها: يتجلى في تمسكها بلباسها التقليدي وخمارها الشرعيين طبقا لما جاء في الكتاب والسنة، وفي «حفاظها على صلاتها في دارها بواسطة السمع من المسجد وقليل منهن من تخرج إلى المسجد في البوادي لما عليها من تبعات داخل المنزل وخارجه، ولما استقر في ذهنها من أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في غيره»
وقد استغل الرجل تعاليم الشريعة الإسلامية في حصر دور المرأة داخل المنزل في حين أنهم في الحقيقة يدافعون عن سلطتهم الذكورية، ولا يريدون مساندة أو مساعدة المرأة منتقصين بذلك أهمية المرأة وفعاليتها في المجتمع، وبهذا جردت من حق السلطة وصنع القرار التي كانت تمتاز به المرأة الأمازيغية قديما. فانحصر دورها على الحياة العائلية « في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر، وإذا غاب الزوج فإن الإشراف الفعلي يكون لها أيضا على سائر الشؤون الخارجية، فهي بهذا أو ذاك مثال التضحية في كل ما يعود على بيتها بالخير باذلة في سبيل ذلك أغلى راحتها فهي تقوم بنقل حاجيات المنزل، ورعي الماشية، وحرث الحقول، وجميع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار، ونسج الملابس بعد غزلها إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تتم إلا لتبدأ من جديد»
فالمرأة السوسية مثال للتضحية والكفاح في سبيل استقرار عائلتها خاصة في غياب الزوج، فهي تتحمل مسؤوليات المنزل وسائرها، ونفس الشيء في حالة وفاة الزوج، فالمرأة هي التي تقوم بكل المهام داخل أسرتها، فتجدها ترفض الزواج من جديد، غير مبالية بما تتعرض له من إهانة ونظرة احتقار وإذلال المجتمع لها، حيث إن الأرملة لا تحضى بلقبها واسمها الحقيقي إذ تقلبت ب "تادكلت" ويطلق على أبناءها "تروان تادكلت" إلا أنها تظل صامدة وقوية وخير مثال المرأة الإفرانية «الحاجة يامنة بنت إبراهيم أولحاج علي أوطالب التي تنتمي إلى أسرة آل الحاج علي والطالب ورباها أبواها تربية حسنة ودخلت في سنها المبكر في مشاركة نساء آل الفقيه الطاهر الإفرانية ونساء آل بناصر البشير المدني في ندواتهم التي تقام في زوايا الأسرتين أي ما يعرف بالحضرة وتساعدهم في أشغال الزوايا في أوقات فراغها التي حسبت لها آلاف حساب، خصصتها من الساعة أولى من الفجر إلى طلوع الشمس إلى مساعدة ابنها الوحيد الذي كانت ترافقه يوميا إلى المسجد ليتعلم فيه القرآن بالإضافة إلى الأشغال المنزلية إلى جانب الاعتناء بأبيها وأخيها القاصرين، دون استثناء أشغال الحرث والحصاد وجميع ما يقوم به الرجال نيابة عن زوجها المتوفى، وفضلت أن تبقى أرملة محترمة واهبة كل حياتها لإبنها اليتيم الذي تفرغت لتربيته ولم تفارقه في يوم من الأيام رافضة الزواج وكل ما سيحول بينها وبين تربية ابنها الوحيد، واستطاعت أن تواجه عدة مشاكل واجهتها بصبر وعزيمة قوية إذ كانت أول امرأة تتحدى كبرياء رجل في ذلك الوقت أمام المحاكم. ودافعت عن نفسها وعن والدها القاصر وأملاكه وربحت قضاياها ولم يسبق لها أن سلمت أي توكيل لأي كان أن لها عائلة تريد الوقوف بجانبها إلا أنها كانت عصامية، وفضلت التحدي وبدأت في مواجهة شيخ القبيلة آنذاك والذي كان له نفوذ قوي في المخزن، والذي طمح في أملاكها وأملاك ابنها بصفته عم ابنها فشله في مطالبه الأولى باعتباره رجل سلطة وكلامه يجب أن يحترم وهو الذي يأمر وينهى وصاحب الكلمة والقرار، إلا أنها انتصرت عليه كما انتصرت على غيره من اللئام الطامعين» .
ورغم سلطة الرجل، فالمرأة السوسية استطاعت فرض ذاتها،وهذا ما يدل عليه مصطلح تامغارت الذي تلقب به المرأة في سوس نظرا للدور الطلائعي الذي تقوم به داخل الأسرة وخارجها في السراء والضراء، فجعلت المجتمع يمنحها مكانة عالية داخله، حيث تعتبر ندا للرجل، ودورها أعظم من دوره، وبذلك اعترف لها المجتمع السوسي بالسعاية والكد وهي مشاركة الرجل في المداخيل والأرباح، حيث تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى المنزل.
وبهذا يكون المجتمع السوسي، المجتمع الوحيد الذي اعترف لها بهذا الحق، والسعاية مسألة مألوفة تناولتها كتب النوازل الفقهية عن البوادي، فالسعاية«مأخوذة من فعل سعى يسعى سعيا وسعاية، أي قصد عمل وكسب لعياله كما في القاموس ومنه قوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى" وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار"»
فعرفت "تامزالت" أي السعاية يعطي الحق للمرأة الأمازيغية قديما في أن تتمتع بنفس الحقوق المخولة للرجل في الإرث. إلا أنه مع دخول المد الأموي ووصول الإيديولوجية الثقافية إلى شبه الجزيرة العربية، شهد وضع المرأة في شمال إفريقيا انحطاط تجلت تداعياته في استعمال العقيدة وفقا للمصالح السياسية والاجتماعية للحكام للنيل من كرامة الإنسان الأمازيغي عامة والمرأة الأمازيغية خاصة والحد من حقوقها وحرياتها.
ومما عرفه الأمازيغ قديما عدم تعدد الزوجات، وقد ورث عنهم المجتمع السوسي ذلك. «فإن الجزولي يقتصر على زوجة واحدة لأنه أدرك بفطرته أن السعادة والصفاء والوئام والاستقرار الدائم لا تكون إلا في الاقتصار على زوجة واحدة أما التعدد بدون ضرورة فإنما يوقد في البيت نار الغيرة والدس وسوء الظن ثم التشريد والطلاق قليل جدا أو منعدم»
«فكان الطلاق لذلك قليل جدا أو منعدما، وإذا وقع شيء منه، فكثيرا ما يكون طلاق الخلع إذا رأت الزوجة من زوجها انحرافا في الأخلاق، أو تهاونا في الدين أو تنكرا لواجباته، كما يقل جدا أن ترى للرجل في جزولة أكثر من زوجة واحدة إلا في حالة اضطرار الشديد، وبعد موافقة الأولى، والأخذ بوجهة نظرها في ذلك فالمرأة لا تتعصب إذا كان الحق في جانب الرجل وهي تحنو عليه».
وبهذا فتاريخ المرأة السوسية يشهد لها بدورها المتميز داخل الأسرة، وتحمل مسؤوليتها وناهيك عن الأدوار الطلائعية التي ستقوم بها، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا.
مكانة المرأة السوسية من خلال الكتابات التاريخية
في المجتمع المغربي، وعبر حقبه وتطوراته التاريخية، كان للمرأة حضور في شتى المجالات الثقافية والدينية والسياسية، وقد احتفظ لنا التاريخ المغربي بأسماء نساء شهيرات عرفن كعالمات وفقيهات وأديبات، فالكتابات التاريخية تعد المرجع الوحيد للتعرف إلى أي حد اهتم التأريخ بالمرأة السوسية ولكن بعودتنا إليها نجدها تناولت المرأة السوسية بشكل عرضي، اللهم إذا استثنينا كتابات المعسول لصاحبه محمد المختار السوسي الذي كتب عنها بإسهاب في بعض من أجزائه، حيث تطرق في الجزء الأول إلى دورها الاجتماعي من خلال المرأة الإلغية بإيجاز، باعتبارها نموذج للمرأة السوسية.
والملاحظ أنه حين تحدث محمد المختار السوسي في أجزاء من المعسول عن بعض النساء الشهيرات بسوس، يغلب عليه نموذج الولية الصالحة وذلك راجع إلى سيادة التصوف والطرقية في هذه المنطقة وكثرة الزوايا حيث كانت هناك كل من الطريقة الناصرية والتيجانية والدرقاوية وبالتالي فصاحب المعسول كتب عن المرأة السوسية في علاقتها بالحقل الديني.
فالمرأة السوسية لم تحض بالحظ الأوفر في الكتابات التاريخية، وهذا راجع إلى التهميش والإقصاء الذي تعرضت له من طرف مجتمعها. رغم أنها حاولت إثبات ذاتها من خلال المسؤوليات المنوطة لها.
فندرة الكتابات التاريخية عن المرأة السوسية منعتنا من معرفة تاريخها وكشف النقاب عن حقيقتها.
الفصل الأول
دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار
مقدمة
إن معرفة أدوار المرأة السوسية في عهد الاستعمار، لا يمكن اكتشافه إلا بالعودة إلى تاريخها، فهذا الأخير يشهد لها بهذا، ولا يغفل ذلك أو يجهله، فبعض الكتابات التاريخية ستأرخ لها وتتحدث عنها، فهي ساهمت في المقاومة وبرهنت على أنها قادرة على الوقوف إلى جانب الرجل في معاركه ضد الاحتلال الأجنبي، وهذا ما سنلمسه من خلال دراستنا لهذا الجانب، بالإضافة إلى أدوار أخرى أظهرت فيها المرأة السوسية كفاءتها: الاجتماعي، الاقتصادي، الديني وهذا كذلك ما سنحاول تفصيله في هذا الفصل.
I- دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار:
1- الدور الاجتماعي
المرأة السوسية عماد الأسرة وهي التي تقوم بكل شؤونه، وتتحمل مصاعبه ومشاقه، بحيث لها السلطة الكاملة داخل بيتها لتقوم بسائر شؤونه، وتقوم كذلك بمساعدة زوجها خارج المنزل، فالمرأة السوسية حاولت تنمية مجتمعها بمجهوداتها لتحقق له الاستقرار، فنهارها كله تقضيه في أعمال المنزل فكانت "مضطرة لقضاء بياض نهارها وجزء كبير من سواد ليلها في أعمال التنظيف والغسيل والعجن والطبخ والغزل والنسيج وصناعة الزرابي والألبسة الصوفية" وفي هذا الشأن تحدث محمد المختار السوسي في المعسول من نموذج للمرأة السوسية وهي المرأة الإلغية يقول:«فهذه المرأة الإلغية ككل نساء تلك النواحي، هي التي تقوم بكل شؤون بيتها، فتضل نهارها في الأعمال المرتبة على أوقات اليوم، تقوم سحرا لتطحن ثم تسخن ماء الوضوء مع الفجر، ثم تحلب البقرة، ثم تسقي من البير بالقلة على ظهرها تأخذ القلة بحبل يمر بكاهلها، ثم إن أرادت أن تحطب فإنها تبكر ولا تطلع عليها الشمس إلا وراء روابي إليغ، حيث لا يزال الشيح الذي هو الوقود الوحيد للإلغيين، فتجمع منه إبالة عظيمة تنظمها ثم ترجع بها على ظهرها، والعجب أن ذلك الحمل الثقيل لا يؤودهن، فإن النساء الحاطبات يرجعن بالأغاني يتداولنها بأصواتهن الرخيمة، ثم لا تكاد تدخل الدار حتى تهيئ الغداء إن لم تكن طبخته صباحا، ثم تمخض وطبها، ثم تنقي طحنها للغد، ثم تغربل طحين الصباح ثم تأتي بالخضر من الحقل، ثم تسقي البقر ثم إن كان عندها سقي من البير للحقول فهي التي تتولى ذلك.وزد على ذلك أن تتعهد مغزلها، وترضع ولدها، ثم إن كان حرث أو حصاد فهي التي تقوم بذلك بمعاونة زوجها أو وحدها إن غاب، بهذا تملأ نهارها ثم تطبخ العشاء، هذا كله والغالب أن تحافظ على صلاتها في دارها مع المسمع من المسجد، والمرأة الإلغية هي سيدة الدار حقا، فهي الخازنة وهي المتصرفة في الشعير والسمن والمراعية الأضياف ولو لم يحضر زوجها إن كانت الدار دار الأضياف »
فهي لا تكل من العمل الشاق التي تقوم به أثناء الحصاد بجانب الرجل، وتنفرد لوحدها بنقل جميع ما يمكن حصده على ظهرها إلى البيادر، وتستغل في الحرث والزراعة وجمع والمحاصيل كالزيتون وأركان، ولقد لعبت دورا مهما وأساسيا بجانب الرجل، ولعل ما تقدر عليه المرأة من أعمال خارج البيت وداخله مساهمة منها في التنمية والتربية والاقتصاد يفوق ما يقوم به الرجل.
يقول محمد العثماني في ألواح جزولة بهذا الخصوص:«والمرأة الجزولية ينحصر دورها في الحياة العائلية، في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر، وإذا غاب الزوج فإن الإشراف الفعلي، يكون لها أيضا على سائر الشؤون الخارجية، فهي بهذا وذاك مثال التضحية في كل ما يعود على بيتها بالخير، باذلة في سبيل ذلك أغلى راحتها، فهي تقوم بنقل حاجيات المنزل، ورعي الماشية، وحرث الحقول وجمع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار ونسج الملابس بعد غزلها إلى غير ذلك من الأعمال التي لا يتم إلا لتبدأ من جديد ولا تتوقف عجلتها التي تسير في خط دائري متصل لا أول له ولا آخر كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفها»
ولم يقتصر دورها على ما ذكرنا، ففي حياة القبيلة كانت تقوم بدورها في كل ما يلزم الجماعة من أداء شرط إمام المسجد أو أستاذ مدرسة القبيلة، من مؤونة طعامه ونقدية والمساهمة في الأعمال الخيرية المحلية.
فالمرأة السوسية دورها فاعل في الحياة الاجتماعية، ولذلك اعترف لها بالسعاية والكد ومشاركة الرجل في المداخيل والأرباح.
يقول محمد المختار السوسي في كتابه المعسول في هذا الشأن:«وقد كان يؤدي لكل ذي حق حقه بميزان الشريعة حتى أنه زوج بنتا من بناته، فلما ودعها دخل إلى داره فقدر ثمن كل ما فيها، من حبوب وتين وبهائم وأركان وكل ما يعلم أن للمرأة فيه السعاية، فحسب كل ذلك فقيد أن حظ فلانة من السعاية هو كذا وكذا، تأخذه من أهلها متى شاءت، ومعلوم أن الجزوليين حيث تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى الدار بقدر سعيها» وبهذا فالمجتمع السوسي هو الوحيد الذي منح المرأة هذا الحق اعترافا لها بمجهوداتها.
فالمرأة السوسية لا تجد تحقيق ذاتها في غالب الأحيان إلا في أشغال بيتها وتتطلع إلى المشاركة في العمل الاجتماعي.
ويقول محمد المختار السوسي في المعسول:«ومن الأمثال الإليغية إن المرأة تقول: (دعوا لنا المطبخ ندع لكم الرأي) أي اتركوا لنا إدارة المنزل، نترك لكم ما في خارج المنزل، ومجمل القول أن المرأة الإلغية تقوم إزاء زوجها الذي لا يعرف الراحة أيضا بدور عظيم في الحياة مع الصيانة وعدم الزلق إلا في النادر الذي لا يكاد يخرم القاعدة، مع الصبر العظيم والإخلاص لزوجها والرفق في المعيشة، مع حفظها للسر ومحافظتها على مظاهر التدين والتصدق على المقابر، خصوصا أيام الجمعة وعاشوراء، فتذهب النساء بالتمر، ومقلو الذرة أو القمح، فيفرقنه على الصبيان».
2- دورها في المقاومة
وعن كفاح المرأة المغربية يقول جلالة الملك الحسن الثاني في إحدى خطبه:«... إن نصف الأمة لم يبق بمعزل عن الكفاح، فقد خاضت أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا غماره، بإيمان صادق وعزم ثابت ولم تنل منه السيطرة والسطوة، ولم يثنه العنف والقسوة، فساهمن في العراك بالنصيب الموفور، وأبدين الشجاعة والشها
المرأة السوسية كباقي النساء المغرب، لعبت دورا بارزا داخل مجتمعها وساهمت في تنميته، رغم العراقيل التي صادفتها ووضعية التهميش التي عانت منها واستطاعت تحطيم قيود العادات والتقاليد التي حدت من حريتها، ففرضت بذلك ذاتها على مجموعة من الميادين وبرهنت على كفاءتها.
ولمعرفة تاريخ المرأة السوسية لا يمكن فهمه إلى بالرجوع إلى عدة كتابات تاريخية أرخت لها، التي احتفظت لنا بأسماء نساء كان لها حضور في عدة مجالات.
وإذا كان بحثنا قد انصب على دراسة المرأة السوسية، فذلك نابع من إيماننا أنها قامت بعدة أدوار لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، ومن هنا تأتي فكرة هذا البحث لإظهار أهميتها داخل مجتمعها السوسي، وإلقاء الضوء على بعض الجوانب من تاريخها، كما أن اختيارنا لهذا الموضوع جاء رغبة في محاولات إبراز دورها التنموي داخل مجتمعها الذي احتلت فيه ومازالت تحتل مكانة بارزة في جميع الميادين، الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية... وسنحاول قدر الإمكان دراسة بعض أدوارها في عهدين متباينين عهد الاستعمار وعهد الاستقلال.
إن المجال الذي اخترناه لهذا البحث هو سوس، الذي يمتد من الناحية الجغرافية من جنوب الأطلس الكبير ويحده من الجنوب جبال الأطلس الصغير.
وقد عالجنا هذا الموضوع في فصلين وهما مصنفين على الشكل التالي:
الفصل الأول سنتطرق إلى دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار عبر عدة محاور دورها في المقاومة- الاجتماعي- الديني- الاقتصادي- .
أما الفصل الثاني سنتحدث فيه عن دور المرأة السوسية في عهد الاستقلال عبر ثلاث مباحث: مبحث تعاوني- فني- سياسي-.
مدخل
قبل أن ندخل إلى موضوع: "المرأة السوسية ودورها في التنمية" نريد أن نتعرض لنقطة تهم هذا الموضوع، باعتباره ورقةتعريف للمنطقة وهي تحديد منطقة سوس.
لقد وصف المؤرخون في العصور الإسلامية موقع سوس ببلاد جزولة فأعطوا بذلك للرقعة الجغرافية بعدا بشريا، بمعنى أن سوس هو موطن جزولة . ولكن جل الجغرافيين والمؤرخين الذين كتبوا عن جهة سوس تقاربت كتابتهم حول تحديد المنطقة فهذا عبد الواحد المراكشي يحدد بلاد سوس بعد الحديث عن مراكش فيقول:«فمراكش هذه آخر المدن الكبار بالمغرب المشهورة به، وليس وراءها مدينة لها ذكر وفيها حضارة ، إلا بليدات صغار بسوس الأقصى فمنها مدينة صغيرة تسمى تارودانت وهي حاضرة سوس وإليها يجتمع أهله، ومدينة أيضا صغيرة تدعى زجندر وهي على معدن الفضة يسكنها الذين يستخرجون ما في ذلك المعدن وفي بلاد جزولة مدينة هي حاضرتهم أيضا تسمى الكست. وفي بلاد لمطة مدينة أخرى هي أيضا لمطة فهده المدن وراء مراكش، فأما تارودانت وزنجدر فدخلتهما وعرفتها، ولم أزل أعرف السفار من التجار وغيرهم وخاصة إلى مدينة المعدن المعروفة بزجندر، وأما مدينة جزولة ومدينة لمطة فلا يسافر إليهما إلا أهلهما خاصة» .
فالمدن الصغار التي ذكرها المراكشي من تارودانت إلى لمطة هي المعروفة حتى اليوم بسوس لأنه قال" بليدات صغار بسوس الأقصى فاليعقوبي في القرن التاسع الميلادي يجعل السوس الأقصى مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة وهو يحدد سوس:"سوس مدينة إلى جانب مدينتي تمدولت وماسة: مما يفيد أن هاتين المدينتين كانتا من أهم المدن السوسية.قلت: أما تامدولت فلم يبقى لها وجود اليوم وأما ماسة فما زالت تتسع. وسرعان ما يوسع اليعقوبي رؤيته فقال:«وسوس هو ما وراء جبال درن أي ما وراء الأطلس الكبير، وينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ المنطقة الصحراوية» .
وهذا يشبه نظرة البكري في القرن11م الذي يحدد سوس بما وراء درن لينتهي عند نول لمطة حيث تبتدئ الصحراء» . ونجد أن ابن خلدون يحدد السوس الأقصى بما وراء مراكش، وفيه تارودانت وافران(الغيران) وينتهي إلى القبلة عند مصب نهر درعة ويخترقه نهر سوس إلى البحر. وهذا التحديد هو الشائع في العهد المريني كمنطقة لجباية الضرائب حيث قسم المرينيون المغرب إلى خمسة أقاليم لجمع الضرائب. وهذا التحديد هو الذي ساد في العهد السعدي فهناك مصدران يؤكدان هذا المعنى "الأول" وصف إفريقيا حيث قال:«سأتعرض الآن لناحية سوس الواقعة وراء الأطلس إلى جهة الجنوب المقابلة لبلاد حاحة، يبتدئ غربا من المحيط، وينتهي جنوبا في رمال الصحراء، وشمالا في الأطلس، وشرقا عند منابع نهر سوس الذي سميت به هذه الناحية». أما المصدر الثاني: سجل جمع الضرائب لأحمد المنصور الذهبي المعروف بـ"ديوان قبائل سوس"، وفيه أسماء قبائل سوس المعروفة لهذا العهد. اسم "سوس" ظل يطلق على المنطقة التي حددتها هذه المصادر التي أوردناها منذ بداية العهد العلوي حتى الآن، وهو ما خلف الأطلس الكبير جنوبا إلى الصحراء ومن المحيط الأطلسي إلى وادي درعة شرقا.
وفي سوس العالمة لصاحبه محمد المختار السوسي يعرف سوس:«نعني بسوس في كل أعمالنا التاريخية في هذا الكتاب وغيره ما يقع من سفوح درن الجنوبية إلى حدود الصحراء من وادي نول وقبائله من تكنة والركائبات وما إليهما إلى حدود طاطة وسكتانة».
ونتساءل هل لفظة "سوس" و"جزولة" و"المصامدة" يقصد بها المنطقة نفسها؟ فنجد المختار السوسي يأخذ بهذا التحديد وسماه "بلاد جزولة" وسمى كتابه "خلال جزولة" فجاءت جزولة في كتابه مطابقة لحدود "سوس".
وعندما نبحث عن حدود هذا الموطن في التاريخ القديم، فنجد المؤرخين الرومان الذين تحدثوا عن القبائل الأمازيغية القديمة، يذكرون أن موقع جيتولة: (جزولة) يمتد في شمال إفريقيا من المحيط الأطلسي إلى أواسط الجزائر الحالية، منحصرا بين المواقع التي يحتلها الرومان شمالا إلى أقاليم إثيوبيا جنوبا.
أما عند الأوروبيين فإن منطقة سوس تعتبر أرضا غامضة. ولا يكاد يعرف عنها سوى مدنها الساحلية ولا تحتوي الخرائط التي وضعها الأوروبيين حتى بداية القرن 19 إلا على خطوط تشير إلى بعض الطرق والمسالك وقد استمر هذا الغموض إلى بداية الحماية. وما يمكن استنتاجه من هذه التحديدات المختلفة أن اسم سوس استعمل في أول الأمر للدلالة على رقعة جغرافية واسعة تمتد من تلمسان إلى المحيط الأطلانتكي ثم أصبح مجال هذه الرقعة يتقلص شيئا فشيئا فانقسم إلى قسمين أدنى وأقصى، ثم اختفت تدريجيا عبارة أدنى وأقصى، وبقي سوس دالا على الرقعة التي يطل عليها القادم من الشمال عندما ينحدر من السفوح الجنوبية للأطلس الكبير. والذي يمكن أن نستخلصه أن منطقة سوس يكتنفه الغموض، لأن الدول المتعاقبة على الحكم تغير استراتيجيتها التي تخضع دائما للتقسيمات الإدارية والعسكرية والاقتصادية من حين لآخر حسب الظروف والأحوال.
جغرافيا:
يقع سوس جنوب الأطلس الكبير، ويحده من الجنوب جبال الأطلس الصغير، تضاريسيا عبارة عن سهل أو حوض رسوبي يرجع إلى توضعات الزمن الثالث والرابع، كما تتخلله بعض الطبقات القديمة جدا التي تم تأريخها إلى ما قبل الكمبري خاصة الأدودني. وسهل سوس سهل متهذل، تعرض للتهذل مرات متعددة خاصة خلال الدورة الكلدونية الهرسينية وخلال الدورة الإنتهاضية الألبية على اعتباره منطقة اتصال بين الأطلسين الكبير والصغير.
ويحد سهل سوس من الشمال جبال الأطلس الكبير، وجنوبا يحده الأطلس الصغير بجباله الغابرة في القدم ويطل على الواجهة الأطلسية بسهل منفتح.
كما يعرف سهل سوس تدرجا في الإرتفاع من الشرق نحو المحيط، كما يعبر السهل محور مائي مهم استمد اسمه من المنطقة وهو واد سوس الذي يستمد مياهه من السفوح الجنوبية والشمالية للأطلسين الكبير والصغير وحسب مارمول كربخال في كتابه إفريقيا: «واد سوس اتخذ إقليم سوس اسمه من نهر وهو أكبر أنهار بلاد البربر في جهة الغرب، ويدعي بعضهم أنه هو الجزيرة التي كان بها قصر آنطي وحدائق الهسبيرند، ويبدو مع ذلك أنه هو أونة بطليموس التي يجعلها في الدرجة الثامنة طولا، والثامنة والعشرين وثلاثين دقيقة عرضا، يخرج هذا النهر من الأطلس الكبير، بين هذا الإقليم وإقليم حاحا، ثم يخترق سهول سوس متجها نحو الجنوب إلى أن يصب في المحيط قرب كرسطن، ويسقي أكثر البلاد خصبا وسكانا في تلك المنطقة، ويتخذ منه السكان جداول يسقون بها حقول قصب السكر، ويفيض في الشتاء حتى لا يعبر من أي مكان، إلا أنه في الصيف يمكن عبوره من كل جهة» .
كما عرف سوس بتشكيلة نباتية قل وجودها في المغرب وهي تشكيلة أركان والتي تمتد على مساحة كبيرة في المنطقة، ووردت في كتابات الرحالة،ولكنها أصبحت اليوم تتعرض للإجتثات بفعل التدخل البشري.
وصنف مناخ سهل سوس ضمن المناخ المتوسطي حيث يعرف تساقطات مهمة وحرارة معتدلة، نظرا لانفتاحه على البحر حيث يتلقى المؤثرات المحيطية الرطبة، كما أن سلسلة الأطلس الصغير تحول دون وصول المؤثرات الصحراوية الحارة والجافة، مما جعله إقليما غنيا من حيث الموارد المائية، حيث تعتبر فرشة سوس من أهم خزان مائي بالمغرب،لكن بفعل الاستغلال المفرط لها، أصبحت اليوم تعرف تراجعا مستمرا مما يحتم التعجيل بالحفاظ عليها.
اقتصاديا:
عرفت المنطقة بمؤهلاتها الفلاحية مما جعلها قطبا فلاحيا مهما على الصعيد الوطني من حيث إنتاج البواكر، والفواكه، نظرا للتربة الغرينية الخصبة وللموارد المائية الكثيرة، هذا والمنطقة عرفت تاريخيا بإنتاج السكر، وخير دليل على ذلك وجود بقايا منابع السكر بمنطقة تازمورت، كما أن انفتاح على المحيط جعل السواحل تعرف نشاطا بحريا، ارتبط بالصيد وبالتجارة الخارجية.
كما تجلى البعد البشري في أقدمية الاستقرار السكاني بالمنطقة، يعتبر الأمازيغ سكان المنطقة الأوائل،«ويعتبر سكان سوس ضمن الشعوب التي كانت تقطن شمال إفريقيا مند القديم» .
«والمؤكد تاريخيا أن غالبية سكان سوس من المصامدة وفيهم أقلية زناتية وصنهاجية، وقد خالط هؤلاء كثير من العناصر النازحة وبالخصوص الأفارقة والعرب واليهود والاندلسيون، وقد اندمجت كل هذه العناصر ضمن القبائل المستقرة في سوس في نهاية القرن التاسع عشر.» .
«فالزنوج الأفارقة تواردوا على سوس من السودان" إفريقيا الغربية" عبر حركات كان أغلبها عن طريق الاتجار وقد كان بيع العبيد مألوفا في مواسم سوس وأسواقها ولا تزال شجرة الأركان التي يباع تحتها العبيد بموسم الصالح سيدي احمد أموسى بتازروالت، معروفة حتى اليوم باسم "تركانت إسمكان، أي هرجانة العبيد».
«أما اليهود وهي أقدم جالية استقرت بالمغرب كان استقرارها بسوس بعد مغادرتهم لفلسطين في عهد نوبوخد نامر، وقد انضاف إلى هؤلاء بعض اليهود الذين طردتهم البلاد الأوربية في مختلف العهود ونذكر بالخصوص الواردين من اسبانيا سنة 1492 ومن البرتغال 1496.» .
«أما العنصر الأندلسي، فلا يمكن تتبعه إلا في الحواضر وبعض القرى مثل مدينة تارودانت التي لا تزال بعض أحيائها تحمل أسماء أندلسية مثل درب الأندلسيين"إيندلاس" ودرب"أولاد بونونة " كما عرفت بها بعض الأسر مثل أسر"أيت الناصر" التي ترتفع بنسبها إلى السراج وزراء غرناطة» .
وهذا الاحتكاك ساهم في تنويع التشكيلة الثقافية للمجتمع السوسي وقد حقق العناصر المتساكنة في هذه المنطقة اندماجا قويا يتجلى فيما يربط بينها من علاقات وثيقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
المرأة الأمازيغية:
شهدت جميع الحضارات التي عرفت ازدهارا اجتماعيا وثقافيا، حضور المرأة الوازن داخل الأسرة، والقبيلة والمجتمع ومن بينها الحضارة الأمازيغية، حيث مند الأزل والمرأة الأمازيغية تحاول إثبات ذاتها في مختلف الميادين، فقد احتلت مكانة في مجتمعها عبر العصور التاريخية وتبوأت مراكز السلطة والقرار، حيث عرفت المرأة الأمازيغية عبر تاريخ شمال إفريقيا شموخا يليق بمكانتها وسجلت اسمها في سجل التاريخ، وتركت بصماتها فيه.
فالأسرة الأمازيغية هي أسرة أميسية فكلمة"تمغارت" تعني الزعيمة ومذكرها "أمغار" الذي يعنى الزعيم وإلى المرأة ينتسب الأبناء فكلمة"كما" بمعنى الأخ تعنى ينتسب إلى أمي ونفس الشيء بالنسبة لكلمة"أولت ما"-"آيت ما" .
والملاحظ أن المجتمع الوحيد الذي يحمل أبناؤه أسماء أمهاتهم هو المجتمع الأمازيغي، وقد أقر جل الأثنولوجيين على أميسية المجتمع الأمازيغي ويستندون إلى ذلك إلى كون أغلب الآلهة والمعبودات الأمازيغية تحمل أسماء مؤنثة كالآلهة الشهيرة Tannit. وهنا تبرز لنا المكانة التي تقلدتها المرأة الأمازيغية في مجتمعها وقد شغلت منصب Tagellit أي الملكة، وكانت فاعلة سياسية بل شغلت منصب القائدة عسكرية وأثبتت حنكتها ومهارتها في التخطيط العسكري، وألحقت هزائم بأعداء البلاد الأمازيغية، ولنا في التاريخ الأمازيغي نماذج عديدة وسنسوقها أمثلث احتفظت بها المصادر التاريخية للمرأة الأمازيغية المثابرة.
ففي العصر القديم:
شهد هذا العصر بسالة ملكة أمازيغية البطلة دهيا الأوراسية الملقبة بالمصادر العربية بالكاهنة الأوراسية وهي:«أول امرأة سياسية حكمة المغرب قبل الفتح الإسلامي، وكانت هي الملكة الداهية الملقبة بالكاهنة،فقد قاومت الفاتح العربي حسان بن نعمان وانتصرت عليه، وبقيت تحكم المغرب مدة عشر سنوات حتى هاجمها حسان مرة ثانية سنة 82هـ وقضي عليها بجبال الأوراس في موضع يعرف ببئر الكاهنة» . «وقتلت قرب بئر تسمى منذ ذلك بئر الكاهنة وحمل رأسها مشهرا إلى الخليفة. وبموتها انتهت فترة الدفاع البطولي» .ولقد عرفت بشدة بأسها وقوتها وعرفت في حربها مع العرب بسياسة الأرض المحروقة ولقد أعجب الكتاب الغربيون ببطولاتها فكتبوا عنها روايات تخلد شجاعتها وبسالتها، وأصدرت Magli biosnard سنة 1925. رواية عنها بعنوان le roman de la kahena, d’après las anciens textes arabes وأصدر paul serge kakon رواية بعنوان: kahena la magnifique وجعل بطلتها الكاهنة البطلة البربرية،وهذا ما يؤكد لنا أن الملكة الداهية تركت بصماتها الراسخة في القوة والشجاعة، والتاريخ يشهد لها بذلك.
أما في العصر الوسيط:
عرف العصر الوسيط بروز كنزة الأوربية وهي«زوجة ادريس الأول، لعبت دورا هاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية» خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول«وأظهرت تفوقا كبيرا في حسن الإعداد لولدها إدريس الثاني ليتحمل عبء الدولة الإسلامية الأولى في المغرب» بل سيمتد نصحها وحكمتها إلى التدخل في الحالات الحرجة.
وقد عرف هذا العصر كذلك الأميرة زينب تانفزاويت الهوارية، أي من قبيلة هوارة الأمازيغية وكانت«أرملة أمير أغمات، وزوجة الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني». وقد لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السياسية للدولة المرابطية وكان لها تأثير في توجيه تلك الأحداث، فقد كانت صاحبة نقل الإمارة والسلطة من أبي بكر ولقد تزوجت أربعة ملوك أمازيغيين وكان آخرهم يوسف بن تاشفين ولعبت دورا هاما في حياة زوجها الأمير الذي من أجلها بنى حاضرة مراكش. وكتب عنها الناصري في الاستقصاء:«وكان للقوط هذا امرأة اسمها زينب بن إسحاق النفزاوية، قال ابن خلدون: وكانت من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن عبد الرحمن بن شيخ وريكة، فلما قتل المرابطون لقوط بن يوسف المغراوي خلفه أبو بكر بن عمر على امرأته زينب بنت إسحاق المذكورة إلى أن كان أمرها ما نذكره»
وفي المرجع نفسه يقول الناصري:«كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحاق النفزاوية، وكانت بارعة الجمال والحسن كما قلنا وكانت مع ذلك حازمة لبيبة، ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باحتلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها. وكان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها، ويقيم رسم الجهاد بها. ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها "يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها وأني مطلقك فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب" فطلقها» .
وبهذا تكون هذه المرأة ذات رأي في السياسة وصاحبة النهي والأمر.-البطلة فانو بنت الوزير عمر بن بانتان المرابطية الصنهاجية من قبيلة لمتونة:«قامت بدور هام في الدفاع عن اللمتونيين وحالت دون استسلام الأمير إسحاق بن علي المرابطي للموحدين حتى لا يدخلوا مدينة مراكش» وهي المرأة المحاربة إلى آخر رمق ضد الموحدين لكنها غلبت على أمرها ودخل الموحدون إلى مراكش واقتحم قصرها بعد مقتلها سنة 545هـ.
الأديبة زينب ابنة الخليفة يوسف بن عبد المومن بن علي الموحدي«عالمة بعلم الكلام، وأصول الدين، صائبة الرأي، فاضلة الصفات». وقد أحب أن يصورها الشاعر الأديب علي الصقلي في مسرحية الشعرية"الأميرة زينب" بصورة المرأة الموحدية النموذج فكرا وسيرة ومذهبا ونزوعا.
تميمة بنت يوسف بن تاشفين «وأخت الملك علي المكناة بأم طلحة من الأديبات المشهورات بالأدب والكرم والرقة»
في العصر الحديث:
ظهرت السيدة الحرة حاكمة تطوان،«زوج أبي الحسن المنظري حاكم تطوان، وقيل أنها تزوجت زواجا سياسيا السلطان أحمد الوطاسي ثالث ملوك الوطاسيين، وقائدة الجهاد كأبرز شخصية في أسرة بني راشد شمال المغرب في القرن السادس عشر الميلادي، وقد اعتنى بها المؤرخين وبأيام حكمها لتطوان ونواحيها ثلاثون سنة، ووصفوها بأنها كانت امرأة شديدة الاندفاع، ميالة إلى الحروب» وهذه السيدة هي عائشة بنت الأمير علي بن راشد الحسني.
السيدة يطو زوجة الشيخ رحو بن شحموط، وقد عرف اسمها في المصادر البرتغالية لكونها السبب في مقتل الضابط البرتغالي المتجبر نونوفر نانديش الذي اتصف بكثرة غاراته على دواوير قبيلة دكالة وفي إحدى غاراته على دوار من أولاد عمران تمكن من الظفر بغنائم كثيرة وأسرى من بينهم يطو زوجة الشيخ. ولما عاد الشيخ وجد البرتغاليين المغيرين فبادر إلى مطاردتهم ونصب لهم كمينا فتمكن من قتل قائد الحملة وفتك بأغلب القوات البرتغالية فرجع الشيخ منتصرا مستردا زوجته والغنيمة كلها .
-السيدة للا خناثة بنت بكار زوج المولى إسماعيل،«كانت مستشارة لزوجها أزيد من ربع قرن وكانت أيضا فقيهة وعالمة وأديبة كتبت على هامش الإصابة لابن حجر، وأشرفت على تربية حفيدها سيدي محمد بن عبد الله، وكانت لها مراسلات مع ملوك فرنسا وهولندا إسبانيا، وقد عثر الأستاذ عبد الهادي التازي على أزيد من عشرين مراسلة، وقد كتب عنها في كتابه "جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي» .
-وقد لعبت للا الضاوية زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله:«ذات الأصل التركي دورا كبيرا في ربط علاقات المغرب مع بعض الدول الأوروبية» خاصة أن عهد هذا السلطان عرف انفتاحا كبيرا على الغرب، وكانت الصويرة مركزا لتلاقح الثقافات ولتعايش والأديان والأعراف. وكتب عنها المؤرخ Euloge Biossonade في مجلته Historia الفرنسية.
السيدة رحمة بنت الإمام محمد بن سعيد المرغيتي الأخصاصي السوسي دفين مراكش وقد كانت فقيهة وعالمة ألفت مختصرا فقهيا»
السيدة للا تعزى تاسملالت الصوفية الصالحة العابدة ذات الشهرة الفائقة وتوصف بربيعة زمانها لها مشهد يقام عليه موسم نسائي..
الفترة المعاصرة:
ظهرت في نهاية القرن العشرين نساء أمازيغيات على مستوى الأحداث وخاصة أولئك المقاومات للقوات الاستعمارية، واللواتي تصدين لها بكل بسالة وشجاعة ومن أمثلثهن:
-يطو زوجة موحى أوحمو الزياني. فقد غيرت هذه السيدة زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل هزم الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة الهري.
عدجو موح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالة في معركة بوكافر بجبال صاغرو. فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت. وبهذا نستنتج أن المجتمع الأمازيغي قديما نصف المرأة، وجعلها تحتل مكانة رفيعة داخل النظام الاجتماعي القبلي.
المرأة المغربية:
شهد لنا التاريخ أن المرأة من اضطهاد المجتمع لها وقيوده القاسية قبل وبعد الحماية، فكانت سجينة المنزل وسلطة الرجل، وكان يمنع ويحرم عليها مغادرة المنزل لأنه يعتبر من الممنوعات، وكانت محرومة من أبسط حقوقها في اتخاذ القرارات في أمور تخصها كالزواج، فكانت تتزوج الشخص دون معرفته لتنصاع في الأخير إلى أوامره، لتخرج من سلطة الأب إلى سلطة الزوج، وظلت وضعية المرأة المغربية هكذا حتى جاء أول محرر للمرأة محمد الخامس تلك الشخصية التي يرجع لها الفضل في تشجيع المرأة المغربية على الخوض في مجال الكفاح الوطني، وبالفعل برهنت فيه المرأة عن شجاعتها وبسالتها، فقد أشادت صاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة في خطابها الذي ألقته في حفل تدشين مدرسة "الفتاة بالدار البيضاء سنة 1956 منوهة بدور المرأة المغربية في حركة المقاومة قائلة:«لقد سجلت المرأة المغربية خلال محنتنا أعمال بطولية كفيلة بأن تجعلها في صف ما سطره التاريخ» من جلائل الأعمال لأسلافنا وما سيحتفظ به الأجيال المقبلة كأجمل الملاحم. فالمرأة المغربية لعبت دورا بارزا في نقل الأسلحة والعتاد والمنشورات بين المقاومين والخلايا السرية للقيام بواجبها نحو وطنها وذلك لكون المرأة آنذاك كانت غير مشتبه بها بحيث أنها كانت لا تتعرض للتفتيش من طرف السلطة الفرنسية.
وكان محمد الخامس أول داعية إلى تعليم المرأة المغربية من أجل تثقيفها وتنوير عقولهن«هناك أمر آخر نهتم به كل الاهتمام، وهو تعليم بناتنا وتثقيفهن ليشأن على سنن الهدى، ويهذبن بما ينبغي حتى يتصفن بما يتعين أن تتصف به المرأة المسلمة حتى تكون على بينة من الواجب عليها لله ولزوجها وبنيها وبيتها» .
وهذا مقتطف من خطاب محمد الخامس رحمه الله يوما في جماعة من علماء وطلبة القرويين، فقد كان محمد الخامس طيب الله ثراه في كل مناسبة يدعو بضرورة دخول الفتاة المغربية معركة الحصول على العلم، ومعركة البناء، ومشجعا الآباء على توجيه فتياتهم للمدارس، والمعاهد من أجل تثقيفهن، وتنوير عقولهن، واصفا إياهن بنصف الأمة، وكان رحمه الله يضرب المثل ببناته، حيث كان يصطحبهن إلى المدرسة المولوية، ويتابع بنفسه تطور دراستهن وتعليمهن، وكانت مبادرة جلالته مبادرة رائدة اهتزت لها جنبات المغرب، كما خص جلالته الوفود التي جاءت لتهنئته بعيد الفطر سنة 1326هـ 1943م على توجيه فتياتهم للمدارس من أجل التثقيف في حدود الشريعة السمحة، وقد همس بعضهم:«أفعى ونسقيها سما» فكانت إجابة جلالته رحمه الله عليه:«إن البنت ليس أفعى، وأنتم ونحن وهم لا نقبل أن نكون أبناء أفاعي، من البنات أمهاتنا، وأخواتنا، وبناتنا، وعلى فرض أن الفتاة كذلك، فاعلم لم يكن أبدا سما بل هو دواء يحفظ من السموم».
وكان محمد الخامس يشرف بنفسه على تأسيس المدارس الحرة، وفتح أبوابها أمام أبناء الشعب وبناته، حيث دشن مدرسة«الأميرة لالة عائشة» بتواركة في نونبر 1947م، وقد قام أثناء زيارته لمدينة فاس سنة 1949م بتدشين معهد للفتيات لنيل شهادة القرويين العليا وهو الأول من نوعه في تاريخ المغرب.
وعن حركة تعليم الفتاة المغربية في عهد محمد الخامس إبان عهد الحماية يقول الأستاذ عبد الهادي بوطالب في مذكراته، بأن المرحوم محمد بن عبد الله أنشأ بمدرسة العدوة شعبة للبنات في الثلاثينيات في الوقت الذي لم تكن فيه تربية البنات موضع اهتمام، ولكن سلطة الحماية أغلقتها، وأقامت على فتح مدرسة للبنات عوضا عنها لتضمن مراقبتها لها.وكان من نتائج فتح باب التعليم في وجه المرأة المغربية سواء في إطار التعليم الرسمي أو التعليم الحر سنة 1942 انطلاقة التنظيمات النسائية في وسط الحركة الوطنية، فقد كان خطاب الأميرة للا عائشة بمدينة طنجة سنة 1947 منطلقا للحركة النسوية التي بوأت المرأة المغربية مكانتها اللائقة بها، كما قامت سموها بتدشين مدرسة تحمل اسمها في مارس سنة 1947م.
ولقد صرح جلالة المغفور له محمد الخامس في خطاب العرش لسنة 1952 قائلا:«وقد وجهنا عناية خاصة لتعليم المرأة حيث كانت سجينة تقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقد نما بفضل الله غرس هذا التعليم، وستصبح المرأة المغربية بحول الله على بينة من أمرها، عالمة بحقوقها وما يجب عليها نحو دينها وبيتها وبلادها». .
وتابع جلالة الحسن الثاني ما بدأه والده في ميدان رقي المرأة المغربية وجعلها تتساوى مع الرجل في كل الواجبات والحقوق، وسمح لها باقتحام مجالات كان الرجل وحده ينفرد بها.
وقال جلالة الملك الحسن الثاني في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاة جلالة الملك المقدس محرر المرأة المغربية محمد الخامس رحمه الله:«ولقد آمنت يا أبتاه بأنه لا يمكن أن يصلح آخر هاته الأمة إلا بما صلح به أولها. فأخرجت المرأة من عهد الجهل حليا يشترى بل أصبحت تفاخر بالشهادات والتسابق إلى المعاهد والكليات، وتقوم بجانب الرجل بجمع المهام بالداخل. وتوج عصرك الزاهر بأن أحرزت المرأة على أعظم ما وصلت إليه في بلد متمدن، ألا وهو المشاركة في الانتخابات والظفر بحق التصويت ... لقد دعوت لتعليم الفتاة وكنت أول البادئين وناديت بتحريرها وكنت أول المحررين».
وبهذا فمنذ عهد الاستعمار والمغفور له محمد الخامس يدعو إلى تعلم المرأة باعتبارها أساس لتوعيتها ولخروجها من دائرة التهميش الذي عانت منه قبل وبعد الاستعمار، فتابع ابنه الحسن الثاني مسيرته وذلك وعيا وإيمانا منه بضرورة إدماج المرأة المغربية في التنمية والدفع بها إلى تحمل مسؤوليتها الاجتماعية والتربوية داخل الأسرة المغربية ومسؤولياتها التسييرية في المرافق الإدارية والتجارية، وفي خطاب له قال:«...لم نكن نريد أن يقال أن المرأة المغربية كانت حية من سنة 1945 إلى 1955 ثم بعد ذلك نامت وانقرض ظلها وتقلص عملها وأثرها في المجتمع...»
وهذا مقتطف من خطاب ألقاه بمناسبة إنشاء الإتحاد النسائي المغربي سنة 1969.
وبذلك تتجلى لنا رعاية العرش المغربي بالمرأة المغربية وعنايته بتعليمها وتثقيفها وخطت بذلك المرأة المغربية خطوة كبيرة في مسارها التاريخي، حيث تحررت وحطمت البنية الذهنية التقليدية التي كانت تسود آنذاك، فنجدها بعدما كانت مجبرة على البقاء سجينة المنزل، برهنت عن كفاءتها وتفوقها في مجالات كان الرجل ينفرد بها، فلقد انخرطت في الحركة الوطنية والعمل السياسي، ولعل أحسن مثال على ذلك من النساء اللاتي كان لهن وزن سياسي على الساحة المغربية، من بداية الحرب العالمية الثانية 1934 إلى أن حصل المغرب على استقلاله، نجد السيدة مليكة الفاسي التي ابتدأت مشوارها السياسي بنشر مقالات وأبحاث باسم الفتاة المغربية، ثم انضمت إلى كتلة العمل الوطني حيث عملت بالخلايا السرية له، واهتمت بتوعية العنصر النسوي، وخلال سنة 1944 كانت من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال بصفتها عضو في الحزب الوطني، والتي قدمت للسلطات الفرنسية، وبذلك تكون أول امرأة مغربية الموقعة على هذه الوثيقة. وكذلك انتظمت الفتيات والنساء المغربيات في فجر الاستقلال داخل جمعيات تابعة لتنظيمات سياسية، وجاءت سنة 1960 تمنحها حق المشاركة في الانتخابات الذي ساهم كعامل أساسي في وعي المرأة المغربية سياسيا، وقد«فازت 20 مرشحة تقريبا في انتخابات 1976 من بين 76 مرشحة للمجالس المحلية» وبهذا انخرطت المرأة في العمل الحزبي، وظهرت عدة حركات نسوية، واستمر هذا التفوق إلى عصرنا هذا، حيث تقلدت عدة مناصب عليا في البرلمان والوزارة وتحملت مسؤولياتها بكل استحقاق وجدارة، مبرهنة عن كفاءتها السياسية. ولم يقتصر دور المرأة المغربية في الميدان بل شمل عدة مجالات برهنت على وعيها ونضجها فيها.
ففي ميدان البحث الاجتماعي والتربوي، برزت الباحثة الاجتماعية فاطمة المرنيسي في الميدان البحث والتأليف في مختلف المواضيع الثقافية والاجتماعية والتربوية، ولها عدة أبحاث تهتم بالنساء في المغرب، بالإضافة إلى ميدان البحث والتأليف تعمل فاطمة المرنيسي كمستشارة لمنظمة اليونسكو والمنظمة الدولية للشغل، وقد عينت في يوليوز 1989 عضوة مجلس جامعة الأمم المتحدة، التي أحدثت سنة 1969.
في ميدان القانون تمكنت من ممارسته بكل كفاءة، وتعد خديجة الكتاني وبديعة ونيش من أولى القاضيات، والأستاذات عائشة بنت مسعود ولطيفة المنتوني وفتيحة أبو زيد ولطيفة المعروفي من أولى المحاميات في فجر عهد الاستقلال، وقد برزت القاضية السعدية بلمير الحاصلة على دكتوراة الدولة في القانون العام من جامعة باريس الثانية سنة 1987.وفي خطاب جلالة الملك الحسن الثاني عندما استقبل فوج القضاة من المتخرجين من المعهد الوطني للدراسات القضائية يوم 26 نونبر 1985،قال جلالته مخاطبا أعضاء الفوج رجالا ونساء:«وكم يسرني أن أرى بينكم المرأة المغربية التي أراها في جميع الميادين تقفزالقفزة اللازمة، وتثب الوثبة الواجبة حتى تكون تلك الزوج وتلك الكفيئة للرجل في القيام بما عليهم أن يقوموا به من واجبات... ومن هنا تعلمون المرتبة التي أضع فيها المرأة المغربية والمطامح التي أنيطها بها الآمال التي أعلقها عليها...» .
وقد دخلت المرأة المغربية مجال المنافسة مع الرجل في ميادين كانت مقتصرة على الرجال، بحيث تعتبر أمينة الصنهاجي سندور أول امرأة مغربية دخلت إدارة الفضاء بأمريكا بla nasa، غادرت المغرب إلى أمريكا سنة 1951. بعد تفوقها في علم الرياضيات، وبعد إلمامها بعدة لغات دولية، أصبحت مترجمة رسمية بلانازا، وأحرزت سنة 1992 على ميدالية الامتياز.
وتدخل شامة الأحمر، بدورها في عالم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية،حيث أتمت تداريبها في "مخيم الفضاء" وأكاديميته بمركز "الباسا الفضاء" في مارس من سنة 1988 مما سيؤهلها لمتابعة دراستها العليا كي تتخرج مهندسة في علم الفيزياء والعلوم النووية.
أما في ميدان الطيران وتتخرجتا بتفوق من مدرسة الطيران المغربية سنة 1985، وتخصصتا في قيادة طائرة البوينك كل من بشرى البرنومي وأمينة السائح، ومن المعلوم أن أول طيارة مغربية كانت هي المرحومة ثريا الشاوي التي حصلت على شهادة الطيران سنة 1951.
ومن خلال هذا العرض الموجز لأسماء نساء مغربيات حافظ التاريخ المغربي على انجازاتهم، واعتبرهن القدوة المثلى التي يجب الاقتداء بها، لأنهن استطعن تحطيم القيود التي مورست عليهن، وساهمن بذلك في صنع القرارات وبهذا فالمرأة المغربية مند انبثاق فجر الاستقلال والحرية، برهنت على وعيها ونضجها، وتمكنت من فرض وجودها في ميادين شتى ساعية للحصول على كافة حقوقها وعلى مساواتها مع الرجل عاملة جاهدة بإزائه لبناء وطنها وتنمية جميع الميادين الحيوية.
المرأة السوسية:
لقد سجلت المرأة الأمازيغية في مجتمعات بلاد الأمازيغ حضورا بارزا، إذ طغت نساء أمازيغيات على المسرح السياسي منذ العهد القديم، وشغلن أرقى المناصب السياسية بل ومنهن من اعتلت عرش المملكة، ناهيك عن الدور العسكري والاجتماعي الذي مافتئت المرأة الأمازيغية تضطلع به.
ترى هل مازالت نفس المكانة التي احتلتها المرأة الأمازيغية تحتلها نظيرتها السوسية؟ مع بزوغ الإسلام تغيرت ملامح المجتمع الأمازيغ، وقد شملت هذه التغييرات المرأة السوسية، فوضع الإسلام حدودا لحريتها: يتجلى في تمسكها بلباسها التقليدي وخمارها الشرعيين طبقا لما جاء في الكتاب والسنة، وفي «حفاظها على صلاتها في دارها بواسطة السمع من المسجد وقليل منهن من تخرج إلى المسجد في البوادي لما عليها من تبعات داخل المنزل وخارجه، ولما استقر في ذهنها من أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في غيره»
وقد استغل الرجل تعاليم الشريعة الإسلامية في حصر دور المرأة داخل المنزل في حين أنهم في الحقيقة يدافعون عن سلطتهم الذكورية، ولا يريدون مساندة أو مساعدة المرأة منتقصين بذلك أهمية المرأة وفعاليتها في المجتمع، وبهذا جردت من حق السلطة وصنع القرار التي كانت تمتاز به المرأة الأمازيغية قديما. فانحصر دورها على الحياة العائلية « في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر، وإذا غاب الزوج فإن الإشراف الفعلي يكون لها أيضا على سائر الشؤون الخارجية، فهي بهذا أو ذاك مثال التضحية في كل ما يعود على بيتها بالخير باذلة في سبيل ذلك أغلى راحتها فهي تقوم بنقل حاجيات المنزل، ورعي الماشية، وحرث الحقول، وجميع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار، ونسج الملابس بعد غزلها إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تتم إلا لتبدأ من جديد»
فالمرأة السوسية مثال للتضحية والكفاح في سبيل استقرار عائلتها خاصة في غياب الزوج، فهي تتحمل مسؤوليات المنزل وسائرها، ونفس الشيء في حالة وفاة الزوج، فالمرأة هي التي تقوم بكل المهام داخل أسرتها، فتجدها ترفض الزواج من جديد، غير مبالية بما تتعرض له من إهانة ونظرة احتقار وإذلال المجتمع لها، حيث إن الأرملة لا تحضى بلقبها واسمها الحقيقي إذ تقلبت ب "تادكلت" ويطلق على أبناءها "تروان تادكلت" إلا أنها تظل صامدة وقوية وخير مثال المرأة الإفرانية «الحاجة يامنة بنت إبراهيم أولحاج علي أوطالب التي تنتمي إلى أسرة آل الحاج علي والطالب ورباها أبواها تربية حسنة ودخلت في سنها المبكر في مشاركة نساء آل الفقيه الطاهر الإفرانية ونساء آل بناصر البشير المدني في ندواتهم التي تقام في زوايا الأسرتين أي ما يعرف بالحضرة وتساعدهم في أشغال الزوايا في أوقات فراغها التي حسبت لها آلاف حساب، خصصتها من الساعة أولى من الفجر إلى طلوع الشمس إلى مساعدة ابنها الوحيد الذي كانت ترافقه يوميا إلى المسجد ليتعلم فيه القرآن بالإضافة إلى الأشغال المنزلية إلى جانب الاعتناء بأبيها وأخيها القاصرين، دون استثناء أشغال الحرث والحصاد وجميع ما يقوم به الرجال نيابة عن زوجها المتوفى، وفضلت أن تبقى أرملة محترمة واهبة كل حياتها لإبنها اليتيم الذي تفرغت لتربيته ولم تفارقه في يوم من الأيام رافضة الزواج وكل ما سيحول بينها وبين تربية ابنها الوحيد، واستطاعت أن تواجه عدة مشاكل واجهتها بصبر وعزيمة قوية إذ كانت أول امرأة تتحدى كبرياء رجل في ذلك الوقت أمام المحاكم. ودافعت عن نفسها وعن والدها القاصر وأملاكه وربحت قضاياها ولم يسبق لها أن سلمت أي توكيل لأي كان أن لها عائلة تريد الوقوف بجانبها إلا أنها كانت عصامية، وفضلت التحدي وبدأت في مواجهة شيخ القبيلة آنذاك والذي كان له نفوذ قوي في المخزن، والذي طمح في أملاكها وأملاك ابنها بصفته عم ابنها فشله في مطالبه الأولى باعتباره رجل سلطة وكلامه يجب أن يحترم وهو الذي يأمر وينهى وصاحب الكلمة والقرار، إلا أنها انتصرت عليه كما انتصرت على غيره من اللئام الطامعين» .
ورغم سلطة الرجل، فالمرأة السوسية استطاعت فرض ذاتها،وهذا ما يدل عليه مصطلح تامغارت الذي تلقب به المرأة في سوس نظرا للدور الطلائعي الذي تقوم به داخل الأسرة وخارجها في السراء والضراء، فجعلت المجتمع يمنحها مكانة عالية داخله، حيث تعتبر ندا للرجل، ودورها أعظم من دوره، وبذلك اعترف لها المجتمع السوسي بالسعاية والكد وهي مشاركة الرجل في المداخيل والأرباح، حيث تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى المنزل.
وبهذا يكون المجتمع السوسي، المجتمع الوحيد الذي اعترف لها بهذا الحق، والسعاية مسألة مألوفة تناولتها كتب النوازل الفقهية عن البوادي، فالسعاية«مأخوذة من فعل سعى يسعى سعيا وسعاية، أي قصد عمل وكسب لعياله كما في القاموس ومنه قوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى" وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار"»
فعرفت "تامزالت" أي السعاية يعطي الحق للمرأة الأمازيغية قديما في أن تتمتع بنفس الحقوق المخولة للرجل في الإرث. إلا أنه مع دخول المد الأموي ووصول الإيديولوجية الثقافية إلى شبه الجزيرة العربية، شهد وضع المرأة في شمال إفريقيا انحطاط تجلت تداعياته في استعمال العقيدة وفقا للمصالح السياسية والاجتماعية للحكام للنيل من كرامة الإنسان الأمازيغي عامة والمرأة الأمازيغية خاصة والحد من حقوقها وحرياتها.
ومما عرفه الأمازيغ قديما عدم تعدد الزوجات، وقد ورث عنهم المجتمع السوسي ذلك. «فإن الجزولي يقتصر على زوجة واحدة لأنه أدرك بفطرته أن السعادة والصفاء والوئام والاستقرار الدائم لا تكون إلا في الاقتصار على زوجة واحدة أما التعدد بدون ضرورة فإنما يوقد في البيت نار الغيرة والدس وسوء الظن ثم التشريد والطلاق قليل جدا أو منعدم»
«فكان الطلاق لذلك قليل جدا أو منعدما، وإذا وقع شيء منه، فكثيرا ما يكون طلاق الخلع إذا رأت الزوجة من زوجها انحرافا في الأخلاق، أو تهاونا في الدين أو تنكرا لواجباته، كما يقل جدا أن ترى للرجل في جزولة أكثر من زوجة واحدة إلا في حالة اضطرار الشديد، وبعد موافقة الأولى، والأخذ بوجهة نظرها في ذلك فالمرأة لا تتعصب إذا كان الحق في جانب الرجل وهي تحنو عليه».
وبهذا فتاريخ المرأة السوسية يشهد لها بدورها المتميز داخل الأسرة، وتحمل مسؤوليتها وناهيك عن الأدوار الطلائعية التي ستقوم بها، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا.
مكانة المرأة السوسية من خلال الكتابات التاريخية
في المجتمع المغربي، وعبر حقبه وتطوراته التاريخية، كان للمرأة حضور في شتى المجالات الثقافية والدينية والسياسية، وقد احتفظ لنا التاريخ المغربي بأسماء نساء شهيرات عرفن كعالمات وفقيهات وأديبات، فالكتابات التاريخية تعد المرجع الوحيد للتعرف إلى أي حد اهتم التأريخ بالمرأة السوسية ولكن بعودتنا إليها نجدها تناولت المرأة السوسية بشكل عرضي، اللهم إذا استثنينا كتابات المعسول لصاحبه محمد المختار السوسي الذي كتب عنها بإسهاب في بعض من أجزائه، حيث تطرق في الجزء الأول إلى دورها الاجتماعي من خلال المرأة الإلغية بإيجاز، باعتبارها نموذج للمرأة السوسية.
والملاحظ أنه حين تحدث محمد المختار السوسي في أجزاء من المعسول عن بعض النساء الشهيرات بسوس، يغلب عليه نموذج الولية الصالحة وذلك راجع إلى سيادة التصوف والطرقية في هذه المنطقة وكثرة الزوايا حيث كانت هناك كل من الطريقة الناصرية والتيجانية والدرقاوية وبالتالي فصاحب المعسول كتب عن المرأة السوسية في علاقتها بالحقل الديني.
فالمرأة السوسية لم تحض بالحظ الأوفر في الكتابات التاريخية، وهذا راجع إلى التهميش والإقصاء الذي تعرضت له من طرف مجتمعها. رغم أنها حاولت إثبات ذاتها من خلال المسؤوليات المنوطة لها.
فندرة الكتابات التاريخية عن المرأة السوسية منعتنا من معرفة تاريخها وكشف النقاب عن حقيقتها.
الفصل الأول
دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار
مقدمة
إن معرفة أدوار المرأة السوسية في عهد الاستعمار، لا يمكن اكتشافه إلا بالعودة إلى تاريخها، فهذا الأخير يشهد لها بهذا، ولا يغفل ذلك أو يجهله، فبعض الكتابات التاريخية ستأرخ لها وتتحدث عنها، فهي ساهمت في المقاومة وبرهنت على أنها قادرة على الوقوف إلى جانب الرجل في معاركه ضد الاحتلال الأجنبي، وهذا ما سنلمسه من خلال دراستنا لهذا الجانب، بالإضافة إلى أدوار أخرى أظهرت فيها المرأة السوسية كفاءتها: الاجتماعي، الاقتصادي، الديني وهذا كذلك ما سنحاول تفصيله في هذا الفصل.
I- دور المرأة السوسية في عهد الاستعمار:
1- الدور الاجتماعي
المرأة السوسية عماد الأسرة وهي التي تقوم بكل شؤونه، وتتحمل مصاعبه ومشاقه، بحيث لها السلطة الكاملة داخل بيتها لتقوم بسائر شؤونه، وتقوم كذلك بمساعدة زوجها خارج المنزل، فالمرأة السوسية حاولت تنمية مجتمعها بمجهوداتها لتحقق له الاستقرار، فنهارها كله تقضيه في أعمال المنزل فكانت "مضطرة لقضاء بياض نهارها وجزء كبير من سواد ليلها في أعمال التنظيف والغسيل والعجن والطبخ والغزل والنسيج وصناعة الزرابي والألبسة الصوفية" وفي هذا الشأن تحدث محمد المختار السوسي في المعسول من نموذج للمرأة السوسية وهي المرأة الإلغية يقول:«فهذه المرأة الإلغية ككل نساء تلك النواحي، هي التي تقوم بكل شؤون بيتها، فتضل نهارها في الأعمال المرتبة على أوقات اليوم، تقوم سحرا لتطحن ثم تسخن ماء الوضوء مع الفجر، ثم تحلب البقرة، ثم تسقي من البير بالقلة على ظهرها تأخذ القلة بحبل يمر بكاهلها، ثم إن أرادت أن تحطب فإنها تبكر ولا تطلع عليها الشمس إلا وراء روابي إليغ، حيث لا يزال الشيح الذي هو الوقود الوحيد للإلغيين، فتجمع منه إبالة عظيمة تنظمها ثم ترجع بها على ظهرها، والعجب أن ذلك الحمل الثقيل لا يؤودهن، فإن النساء الحاطبات يرجعن بالأغاني يتداولنها بأصواتهن الرخيمة، ثم لا تكاد تدخل الدار حتى تهيئ الغداء إن لم تكن طبخته صباحا، ثم تمخض وطبها، ثم تنقي طحنها للغد، ثم تغربل طحين الصباح ثم تأتي بالخضر من الحقل، ثم تسقي البقر ثم إن كان عندها سقي من البير للحقول فهي التي تتولى ذلك.وزد على ذلك أن تتعهد مغزلها، وترضع ولدها، ثم إن كان حرث أو حصاد فهي التي تقوم بذلك بمعاونة زوجها أو وحدها إن غاب، بهذا تملأ نهارها ثم تطبخ العشاء، هذا كله والغالب أن تحافظ على صلاتها في دارها مع المسمع من المسجد، والمرأة الإلغية هي سيدة الدار حقا، فهي الخازنة وهي المتصرفة في الشعير والسمن والمراعية الأضياف ولو لم يحضر زوجها إن كانت الدار دار الأضياف »
فهي لا تكل من العمل الشاق التي تقوم به أثناء الحصاد بجانب الرجل، وتنفرد لوحدها بنقل جميع ما يمكن حصده على ظهرها إلى البيادر، وتستغل في الحرث والزراعة وجمع والمحاصيل كالزيتون وأركان، ولقد لعبت دورا مهما وأساسيا بجانب الرجل، ولعل ما تقدر عليه المرأة من أعمال خارج البيت وداخله مساهمة منها في التنمية والتربية والاقتصاد يفوق ما يقوم به الرجل.
يقول محمد العثماني في ألواح جزولة بهذا الخصوص:«والمرأة الجزولية ينحصر دورها في الحياة العائلية، في السهر على شؤون منزلها الداخلية وتربية أولادها والزوج حاضر، وإذا غاب الزوج فإن الإشراف الفعلي، يكون لها أيضا على سائر الشؤون الخارجية، فهي بهذا وذاك مثال التضحية في كل ما يعود على بيتها بالخير، باذلة في سبيل ذلك أغلى راحتها، فهي تقوم بنقل حاجيات المنزل، ورعي الماشية، وحرث الحقول وجمع المنتوجات الفلاحية، وغلل الأشجار ونسج الملابس بعد غزلها إلى غير ذلك من الأعمال التي لا يتم إلا لتبدأ من جديد ولا تتوقف عجلتها التي تسير في خط دائري متصل لا أول له ولا آخر كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفها»
ولم يقتصر دورها على ما ذكرنا، ففي حياة القبيلة كانت تقوم بدورها في كل ما يلزم الجماعة من أداء شرط إمام المسجد أو أستاذ مدرسة القبيلة، من مؤونة طعامه ونقدية والمساهمة في الأعمال الخيرية المحلية.
فالمرأة السوسية دورها فاعل في الحياة الاجتماعية، ولذلك اعترف لها بالسعاية والكد ومشاركة الرجل في المداخيل والأرباح.
يقول محمد المختار السوسي في كتابه المعسول في هذا الشأن:«وقد كان يؤدي لكل ذي حق حقه بميزان الشريعة حتى أنه زوج بنتا من بناته، فلما ودعها دخل إلى داره فقدر ثمن كل ما فيها، من حبوب وتين وبهائم وأركان وكل ما يعلم أن للمرأة فيه السعاية، فحسب كل ذلك فقيد أن حظ فلانة من السعاية هو كذا وكذا، تأخذه من أهلها متى شاءت، ومعلوم أن الجزوليين حيث تخدم المرأة يعطون لها نصيبا في كل ما يدخل إلى الدار بقدر سعيها» وبهذا فالمجتمع السوسي هو الوحيد الذي منح المرأة هذا الحق اعترافا لها بمجهوداتها.
فالمرأة السوسية لا تجد تحقيق ذاتها في غالب الأحيان إلا في أشغال بيتها وتتطلع إلى المشاركة في العمل الاجتماعي.
ويقول محمد المختار السوسي في المعسول:«ومن الأمثال الإليغية إن المرأة تقول: (دعوا لنا المطبخ ندع لكم الرأي) أي اتركوا لنا إدارة المنزل، نترك لكم ما في خارج المنزل، ومجمل القول أن المرأة الإلغية تقوم إزاء زوجها الذي لا يعرف الراحة أيضا بدور عظيم في الحياة مع الصيانة وعدم الزلق إلا في النادر الذي لا يكاد يخرم القاعدة، مع الصبر العظيم والإخلاص لزوجها والرفق في المعيشة، مع حفظها للسر ومحافظتها على مظاهر التدين والتصدق على المقابر، خصوصا أيام الجمعة وعاشوراء، فتذهب النساء بالتمر، ومقلو الذرة أو القمح، فيفرقنه على الصبيان».
2- دورها في المقاومة
وعن كفاح المرأة المغربية يقول جلالة الملك الحسن الثاني في إحدى خطبه:«... إن نصف الأمة لم يبق بمعزل عن الكفاح، فقد خاضت أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا غماره، بإيمان صادق وعزم ثابت ولم تنل منه السيطرة والسطوة، ولم يثنه العنف والقسوة، فساهمن في العراك بالنصيب الموفور، وأبدين الشجاعة والشها